الْمُطَابِقِ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ وَقَفَ عَلَى بَلْ فَعَلَهُ أَيْ فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ وَجَعَلَ كَبِيرُهُمْ هَذَا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَهُوَ الْكِسَائِيُّ أَوْ أَصْلُهُ فَعَلَهُ بِمَعْنَى لَعَلَّهُ وَخَفَّفَ اللَّامَ وَهُوَ الْفَرَّاءُ مُسْتَدِلًّا بِقِرَاءَةِ ابْنِ السُّمَيْفِعِ فَعَلَهُ بِمَعْنَى لَعَلَّهُ مُشَدَّدُ اللَّامِ فَهُمْ بُعَدَاءٌ عَنْ طَرِيقِ الْفَصَاحَةِ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أَيْ إِلَى عُقُولِهِمْ حِينَ ظَهَرَ لَهُمْ مَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي أَهَّلُوهَا لِلْعِبَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُسْأَلَ وَتُسْتَفْسَرَ قَبْلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَرَجَعُوا أَيْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ فِي سُؤَالِكُمْ إِبْرَاهِيمَ حِينَ سَأَلْتُمُوهُ وَلَمْ تَسْأَلُوهَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، أَوْ حِينَ عَبَدْتُمْ مَا لَا يَنْطِقُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ حِينَ لَمْ تَحْفَظُوا آلِهَتَكُمْ قَالَهُ وَهْبٌ، أَوْ فِي عِبَادَةِ الْأَصَاغِرِ مَعَ هَذَا الْكَبِيرِ قَالَهُ وَهْبٌ أَيْضًا، أَوْ حِينَ أَبْهَتَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَالْفَأْسُ فِي عُنُقِ الْكَبِيرِ قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَابْنُ إِسْحَاقٍ أَوْ الظَّالِمُونَ حقيقة حيث نسيتم إِبْرَاهِيمَ إِلَى الظُّلْمِ فِي قولكم إنه على الظَّالِمِينَ إِذْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ مُسْتَحِقَّةٌ لِمَا فُعِلَ بِهَا.
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أي ارتكبوا فِي ضَلَالِهِمْ وَعَلِمُوا أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَنْطِقُ فَسَاءَهُمْ ذَلِكَ حِينَ نَبَّهَ عَلَى قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ لِلَّذِي يَرْتَطِمُ فِي غَيِّهِ كَأَنَّهُ مَنْكُوسٌ عَلَى رَأْسِهِ وَهِيَ أَقْبَحُ هَيْئَةٍ للإنسان، فكان عقله منكوس أي مقلوب لِانْقِلَابِ شَكْلِهِ، وَجَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ فَرُجُوعُهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِقَامَةِ فِكْرِهِمْ وَنَكْسُهُمْ كِنَايَةٌ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ كناية عن تطأطئ رؤوسهم وَتَنْكِيسِهَا إِلَى الْأَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الْخَجَلِ وَالِانْكِسَارِ مِمَّا بَهَتَهُمْ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَدَمَغَهُمْ بِهِ فَلَمْ يُطِيقُوا جَوَابًا.
وَلَقَدْ عَلِمَتِ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ مَعْمُولٍ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ قَائِلِينَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فَكَيْفَ تَقُولُ لَنَا فَسْئَلُوهُمْ إِنَّمَا قَصَدْتَ بِذَلِكَ تَوْبِيخًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّكْسُ لِلْفِكْرَةِ فِيمَا يُجِيبُونَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِد نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أَيْ رَدَّتِ السَّفِلَةُ عَلَى الرؤساء وعَلِمْتَ هُنَا مُعَلَّقَةٌ، وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولَيْ عَلِمْتَ إِنْ تَعَدَّتْ إِلَى اثْنَيْنِ أَوْ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ وَاحِدٍ إِنْ تَعَدَّتْ لِوَاحِدٍ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَابْنُ مِقْسَمٍ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالْبَكْرَاوِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِتَشْدِيدٍ كَافِ نُكِسُوا وَقَرَأَ رِضْوَانُ بْنُ الْمَعْبُودِ نُكِسُوا بِتَخْفِيفِ الْكَافِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ نَكَسُوا أَنْفُسَهُمْ.
وَلَمَّا ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أَخَذَ يُقَرِّعُهُمْ وَيُوَبِّخُهُمْ بِعِبَادِهِ تَمَاثِيلَ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ،


الصفحة التالية
Icon