مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَوِ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ «١» أَوْ نَظَرَ إِلَيْهِ فَتَوَسَّمَ فِي مَخَايِلِهِ أَنَّهُ ذُو شَهْوَةٍ وَعَوَارِضَ كَالْغَضَبِ وَنَحْوِهِ، وَرَأَى خِلْقَتَهُ مُجَوَّفَةً مُخْتَلِفَةَ الْأَجْزَاءِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ظَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَسَوَّسَ إِلَى آدَمَ فَلَمْ يجد له عز ما فَظَنَّ ذَلِكَ بِذُرِّيَّتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ وَسْوَسَتِهِ لِآدَمَ فِي أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَاسْتَثْنَى الْقَلِيلَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ مَنْ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «٢» وَالْأَمْرُ بِالذَّهَابِ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ نَقِيضِ الْمَجِيءِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى اذْهَبْ لِشَأْنِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ، وَعَقَّبَهُ بِذِكْرِ مَا جَرَّهُ سُوءُ فِعْلِهِ مِنْ جَزَائِهِ وَجَزَاءِ أَتْبَاعِهِ جَهَنَّمَ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ اسْمٌ غَائِبٌ وَضَمِيرُ خِطَابٍ غَلَبَ الْخِطَابُ فَقَالَ:
جَزاؤُكُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ مِنْ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ وَالْمَوْفُورُ الْمُكَمَّلُ وَوَفَرَ مُتَعَدٍّ كَقَوْلِهِ:
وَمَنْ يَجْعَلِ الْمَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عَرْضِهِ | يَفْرِهُ وَمَنْ لَا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ |
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَضَمِّ اللَّامِ مِنْ جَلَبَ ثُلَاثِيًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِبْلِيسَ لَهُ خَيْلٌ وَرَجَّالَةٌ مِنَ الْجِنِّ جِنْسِهِ قَالَهُ قَتَادَةُ، وَالْخَيْلُ تُطْلَقُ عَلَى الْأَفْرَاسِ حَقِيقَةً وَعَلَى أَصْحَابِهَا مَجَازًا وَهُمُ الْفُرْسَانُ، وَمِنْهُ: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي، وَالْبَاءُ فِي بِخَيْلِكَ قِيلَ زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: مِنَ الْآدَمِيِّينَ أُضِيفُوا إِلَيْهِ لِانْخِرَاطِهِمْ فِي طَاعَتِهِ وَكَوْنِهِمْ أَعْوَانَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ قاله مجاهد.
(٢) سورة ص: ٣٨/ ٨٢- ٨٣.
(٣) سورة فصلت: ٤١/ ٤٠.