فِي زَمَانِ نَبِيٍّ، إِنْ جَرَى عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَتَكُونُ مُعْجِزَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْهَاصِ لنبي.
فَأَلْقى عَصاهُ: أي رَمَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَصَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالثُّعْبَانُ: أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيَّاتِ. وَمَعْنَى مُبِينٌ: ظَاهِرُ الثُّعْبَانِيَّةِ، لَيْسَتْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُزَوَّرُ بِالشَّعْبَذَةِ وَالسِّحْرِ. وَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ، فَإِذا هِيَ تَلَأْلَأُ كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الشَّمْسِ. وَمَعْنَى لِلنَّاظِرِينَ: أَيْ بَيَاضُهَا يَجْتَمِعُ النَّظَّارَةُ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْعَادَةِ، وَكَانَ بَيَاضًا نُورَانِيًّا.
رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَبْصَرَ أَمْرَ الْعَصَا قَالَ: فَهَلْ غَيْرُهَا؟ فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: يَدُكَ، فَأَدْخَلَهَا فِي إِبِطِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا وَلَهَا شُعَاعٌ يَكَادُ يُغْشِي الْأَبْصَارَ وَيَسُدُّ الْأُفُقَ.
قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ، قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ، فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ، لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ، فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ، قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ، فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ، قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ، رَبِّ مُوسى وَهارُونَ، قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، قالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَانْتَصَبَ حَوْلَهُ عَلَى الظَّرْفِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ كَائِنِينَ حَوْلَهُ، فَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ هُوَ الْحَالُ حَقِيقَةً وَالنَّاصِبُ لَهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ الْعَامِلُ فِي ذِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ لَامِ الْجَرِّ، نَحْوُ: مَرَرْتُ بِهِنْدٍ ضَاحِكَةً. وَالْكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَ الْمَلَأَ مَوْصُولًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: قَالَ لِلَّذِي حَوْلَهُ، فَلَا مَوْضِعَ لِلْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ، لِأَنَّهُ وَقَعَ صِلَةً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْعَامِلُ فِي حَوْلَهُ؟ قُلْتُ: هُوَ مَنْصُوبٌ نَصْبَيْنِ: نَصْبٌ فِي اللَّفْظِ، وَنَصْبٌ فِي الْمَحَلِّ. فَالْعَامِلُ فِي النَّصْبِ اللَّفْظِيِّ مَا يُقَدَّرُ فِي الظَّرْفِ، وَذَلِكَ اسْتَقَرُّوا حَوْلَهُ، وَهَذَا يُقَدَّرُ فِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ، وَالْعَامِلُ فِي النَّصْبِ الْمَحَلِّيِّ، وَهُوَ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. انْتَهَى. وَهُوَ تَكْثِيرٌ وَشَقْشَقَةُ كَلَامٍ فِي أَمْرٍ وَاضِحٍ مِنْ أَوَائِلِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ.


الصفحة التالية
Icon