الْحَدِيثِ: «النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ وَالنَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ»، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَتَبَسَّمَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِمَّا لِلْعَجَبِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهَا: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَهُوَ إِدْرَاكُهَا رَحْمَتَهُ وَشَفَقَتَهُ وَرَحْمَةَ عَسْكَرِهِ، وَإِمَّا لِلسُّرُورِ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ مِمَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا، وَهُوَ إِدْرَاكُهُ قَوْلَ مَا هُمِسَ بِهِ، الَّذِي هُوَ مَثَلٌ فِي الصِّغَرِ، وَلِذَلِكَ دَعَا أَنْ يُوزِعَهُ اللَّهُ شُكْرَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ. وَانْتَصَبَ ضَاحِكًا عَلَى الْحَالِ، أَيْ شَارِعًا فِي الضَّحِكِ وَمُتَجَاوِزًا حَدَّ التَّبَسُّمِ إِلَى الضَّحِكِ، وَلَمَّا كَانَ التَّبَسُّمُ يَكُونُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَلِلْغَضَبِ، كَمَا يَقُولُونَ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْغَضْبَانِ، وَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُسْتَهْزِئِ، وَكَانَ الضَّحِكُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلسُّرُورِ وَالْفَرَحِ، أَتَى بِقَوْلِهِ: ضاحِكاً. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ: ضَحِكًا، جَعَلَهُ مَصْدَرًا، لِأَنَّ تَبَسَّمَ فِي مَعْنَى ضَحِكَ، فَانْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَقِرَاءَةِ ضَاحِكًا.
وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي: أَيِ اجْعَلْنِي أَزَعُ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَآلَفُهُ وَأَرْتَبِطُهُ، حَتَّى لَا يَنْفَلِتَ عَنِّي، حَتَّى لَا أَنْفَكَّ شَاكِرًا لَكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْزِعْنِي: اجْعَلْنِي أَشْكُرُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
حَرِّضْنِي. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَوْلِعْنِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: امْنَعْنِي عَنِ الْكُفْرَانِ. وَقِيلَ: أَلْهِمْنِي الشُّكْرَ، وَأَدْرَجَ ذِكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى وَالِدَيْهِ فِي أَنْ يَشْكُرَهُمَا، كَمَا يَشْكُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، لِمَا يَجِبُ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمَا وَالْبِرِّ بِهِمَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْوَلَدُ تَقِيًّا لِلَّهِ صَالِحًا، فَإِنَّ وَالِدَيْهِ يَنْتَفِعَانِ بِدُعَائِهِ وَبِدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمَا بِسَبَبِهِ، كَقَوْلِهِمْ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ خَلَّفَكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَعَنْ وَالِدَيْكَ. وَلَمَّا سَأَلَ رَبَّهُ شَيْئًا خَاصًّا، وَهُوَ شُكْرُ النِّعْمَةِ، سَأَلَ شَيْئًا عَامًّا، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَانْدَرَجَ فِيهِ شُكْرُ النِّعْمَةِ، فَكَأَنَّهُ سَأَلَ إِيزَاعَ الشُّكْرِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا أَنْ يُلْحَقَ بِالصَّالِحِينَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَكَذَا عَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَطْلُبُوا جَعْلَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ، كَمَا قَالَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ «١». وَقَالَ تَعَالَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «٢». قِيلَ: لِأَنَّ كَمَالَ الصَّلَاحِ أَنْ لَا يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَهِمَّ بِمَعْصِيَةٍ، وَهَذِهِ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ.
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ،

(١) سورة يوسف: ١٢/ ١٠١.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٣٠.


الصفحة التالية
Icon