مَطْرُوفُكَ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْكَ مَنْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مُنْتَهَى بَصَرِكَ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمُ، لِأَنَّ مَنْ يَقَعُ طَرْفُكَ عَلَيْهِ هُوَ مَطْرُوفُكَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَبْلَ أَنْ يَنْقَبِضَ إِلَيْكَ طَرْفُكَ بِالْمَوْتِ، فَخَبَّرَهُ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، بَلِ الْمَعْنَى آتِيكَ بِهِ سَرِيعًا. وَقِيلَ: ارْتِدَادُ الطَّرْفِ مَجَازٌ هُنَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ مُجَازِ التَّمْثِيلِ، وَالْمُرَادُ اسْتِقْصَارُ مُدَّةِ الْإِتْيَانِ بِهِ، كَمَا تَقُولُ لِصَاحِبِكَ: افْعَلْ كَذَا فِي لَحْظَةٍ، وَفِي رَدَّةِ طَرْفٍ، وَفِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، تُرِيدُ بِهِ السُّرْعَةَ، أَيْ آتِيكَ بِهِ فِي مُدَّةٍ أَسْرَعَ مِنْ مُدَّةِ الْعِفْرِيتِ.
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَدَعَا اللَّهَ فَأَتَاهُ بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ: أَيْ عَرْشَ بِلْقِيسَ. قِيلَ: نَزَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ مِنَ الْهَوَاءِ. وَقِيلَ: نَبَعَ مِنَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: مِنَ تَحْتِ عَرْشِ سُلَيْمَانَ، وَانْتَصَبَ مستقرا على الحال، وعنده مَعْمُولٌ لَهُ. وَالظَّرْفُ إِذَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ وَاجِبَ الْحَذْفِ. فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَظَهَرَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ مِنْ قَوْلِهِ:
مُسْتَقِرًّا، وَهَذَا هُوَ الْمُقَدَّرُ أَبَدًا فِي كُلِّ ظَرْفٍ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَمُسْتَقِرًّا، أَيْ ثَابِتًا غَيْرَ مُتَقَلْقِلٍ، وَلَيْسَ بِمَعْنَى الْحُضُورِ الْمُطْلَقِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ. انْتَهَى. فَأَخَذَ فِي مُسْتَقِرًّا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الِاسْتِقْرَارِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُتَقَلْقِلٍ، حَتَّى يَكُونَ مَدْلُولُهُ غَيْرَ مَدْلُولِ الْعِنْدِيَّةِ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ لِذِكْرِ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ الْوَاقِعِ حَالًا وَقَدْ قُدِّرَ ذِكْرُ الْعَامِلِ فِي مَا وَقَعَ خَبَرًا مِنَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ التَّامِّ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَكَ العزان مولاك عزوان يَهُنْ | فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كَائِنُ |
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ أُضْمِرَ فَاءٌ فِي قَوْلِهِ: