وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَابْنِ زَيْدٍ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلَّا هَذَا فَهُوَ مِنَ الِاسْتِتَارِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ بَلْ حِفْظُ الْفَرْجِ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ. ذلِكَ أَيْ غَضُّ الْبَصَرِ وَحِفْظُ الْفَرْجِ أَطْهَرُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ مِنْ إِحَالَةِ النَّظَرِ وَانْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ، فَيُجَازِي عَلَى ذَلِكَ. وَقَدَّمَ غَضَّ الْبَصَرِ عَلَى حِفْظِ الْفَرْجِ لِأَنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنَا وَرَائِدُ الْفُجُورِ وَالْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ وَأَكْثَرُ لَا يَكَادُ يقدر على الاحتزاز مِنْهُ، وَهُوَ الْبَابُ الْأَكْبَرُ إِلَى الْقَلْبِ وَأَعْمَرُ طُرُقِ الْحَوَاسِّ إِلَيْهِ وَيَكْثُرُ السُّقُوطُ مِنْ جِهَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ:
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا نَظْرَةٌ إِثْرَ نَظْرَةٍ | تَزِيدُ نُمُوًّا إِنْ تَزِدْهُ لَجَاجًا |
أُولَئِكَ الْمَذْكُورُونَ لِمَا كَانُوا مُخْتَصِّينَ بِهِ مِنَ الْحَاجَةِ الْمُضْطَرَّةِ إِلَى مُدَاخَلَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَلِقِلَّةِ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ مِنْ جِهَاتِهِمْ وَلِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنَ النُّفْرَةِ عَنْ مُمَاسَّةِ الْقَرَائِبِ، وَتَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إِلَى صُحْبَتِهِمْ فِي الْأَسْفَارِ لِلنُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا ظَهَرَ مِنْها هُوَ الثِّيَابُ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ قَالَ: الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ الثِّيَابُ، وَقَالَ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «١» وَفُسِّرَتِ الزِّينَةُ بِالثِّيَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي جَمَاعَةٍ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْوَجْهُ وَالْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ وَالسُّوَارُ.