نَحْمِلُ خَطَايَاكُمْ. وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا، كَانَ إِخْبَارًا فِي الْجَزَاءِ بِمَا لَا يُطَابَقُ، وَكَانَ كَذِبًا.
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ: أَثْقَالَ أَنْفُسِهِمْ مِنْ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، وَأَثْقالًا أَيْ أُخَرَ، وَهِيَ أَثْقَالُ الَّذِينَ أَغْرَوْهُمْ، فَكَانُوا سَبَبًا فِي كُفْرِهِمْ. وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ أَثْقَالَهُ، فَأَمْكَنَ انْدِرَاجُ أَثْقَالِ الْمَظْلُومِ بِحَمْلِهَا لِلظَّالِمِ، كَمَا جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ بِأَنْ يُعْطَى مِنْ حَسَنَاتِ ظَالِمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلظَّالِمِ حَسَنَةٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَطُرِحَ عَلَيْهِ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا مَعْنَاهُ: أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا وَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، فَعَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِمَّنِ اتَّبَعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شيئا.
وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ: أَيْ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ، فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ، وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ، وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، لِمَا كَانَ يَلْقَى مِنْ أَذَى الْكُفَّارِ. فَذَكَرَ مَا لَقِيَ أَوَّلُ الرُّسُلِ، وَهُوَ نُوحٌ، مِنْ أَذَى قَوْمِهِ، الْمُدَدَ الْمُتَطَاوِلَةَ، تَسْلِيَةً لِخَاتَمِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَالْوَاوُ فِي وَلَقَدْ وَاوُ عَطْفٍ، عَطَفَتْ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْقَسَمُ فِيهَا بِعِيدٌ، يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْسَمُ بِهِ قَدْ حُذِفَ وَبَقِيَ حَرْفُهُ وَجَوَابُهُ، وَفِيهِ حَذْفُ الْمَجْرُورِ وَإِبْقَاءُ حَرْفِ الْجَارِّ، وَحَرْفُ الْجَرِّ لَا يُعَلَّقُ عَنْ عَمَلِهِ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذِكْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقَامَ فِي قَوْمِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يحتمل أن تكون الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ فِي قَوْمِهِ، مِنْ لَدُنْ مَوْلِدِهِ إِلَى غَرَقِ قَوْمِهِ. انْتَهَى. وَلَيْسَ عِنْدِي مُحْتَمَلًا، لِأَنَّ اللُّبْثَ مُتَعَقِّبٌ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ عُمُرِهِ، حِينَ كَانَ


الصفحة التالية
Icon