الْحُكْمِ لَوْ كُنْتُمْ فِيهَا، وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَالْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ: وَلَا مَنْ فِي السَّمَاءِ، أَيْ يَعْجِزُ إِنْ عَصَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا مِنْ غَوَامِضِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ حَسَّانَ:

فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
أَيْ: وَمَنْ يَنْصُرُهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، لِأَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْمَوْصُولِ وَإِبْقَاءَ صِلَتِهِ. وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ مَنْ فِي الْأَرْضِ مَنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَلَا مَنْ فِي السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَيْفَ تُعْجِزُونَ اللَّهَ؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَئِسُوا، بِالْهَمْزِ وَالذِّمَارِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِغَيْرِ هَمْزٍ، بَلْ بِيَاءٍ بَدَلَ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ وَعِيدٌ، أَيْ ييأسون يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: مِنْ رَحْمَتِي. وَقِيلَ: مِنْ دِينِي، فَلَا أَهْدِيهِمْ.
وَقِيلَ: هُوَ وَصْفٌ بِحَالِهِمْ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ دَائِمًا رَاجِيًا خَائِفًا، وَالْكَافِرَ لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ ذَلِكَ. شَبَّهَ حَالَهُمْ فِي انْتِفَاءِ رَحْمَتِهِ عَنْهُمْ بِحَالِ مَنْ يَئِسَ مِنَ الرَّحْمَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ:
وَإِنْ تُكَذِّبُوا، مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ، إِلَى قَوْلِهِ: عَذابٌ أَلِيمٌ. وَقِيلَ:
هَذِهِ الْآيَاتُ اعْتِرَاضٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ بَيْنَ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ وَالْإِخْبَارُ عَنْ جَوَابِ قَوْمِهِ، أَيْ وَإِنْ تُكَذِّبُوا مُحَمَّدًا، فَتَقْدِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اعْتِرَاضًا يَرُدُّ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ لَا يَكُونُ جُمْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانَ قَدِ ابْتُلِيَ بِمِثْلِ مَا كَانَ أَبُوهُ إِبْرَاهِيمُ قَدِ ابْتُلِيَ، مِنْ شِرْكِ قَوْمِهِ وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَمُحَاوَلَتِهِمْ قَتْلَهُ. وَجَاءَتِ الْآيَاتُ بَعْدَ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ مُقَرِّرَةً لِمَا جَاءَ به الرسول مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَدَلَائِلِهِ وَذِكْرِ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَالْمَعَادِ.
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ، فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ، وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ، قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً


الصفحة التالية
Icon