شَرِيكٌ فِيمَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ؟ انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وشُرَكاءَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وفِي ما رَزَقْناكُمْ متعلق به، ولَكُمْ الخبر، ومِنْ ما مَلَكَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ نَكِرَةٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الْعَامِلُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، وَالْوَاقِعُ خَبَرًا، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بَعْدَ الْمُبْتَدَأِ. وما فِي رَزَقْناكُمْ وَاقِعَةٌ عَلَى النَّوْعِ، وَالتَّقْدِيرُ: هَلْ شُرَكَاءُ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ كَائِنُونَ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي مَلَكَتْهُ أَيْمَانُكُمْ كَائِنُونَ لَكُمْ؟
وَيَجُوزُ أَنْ يتعلق لكم بشركاء، وَيَكُونُ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، كَمَا تَقُولُ: لِزَيْدٍ فِي الْمَدِينَةِ مُبْغِضٌ، فلزيد متعلق بمبغض الذي هو مبتدأ، وفي المدينة الخبر، وفَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ لِلِاسْتِفْهَامِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى النَّفْيِ، وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بسواء، وتَخافُونَهُمْ خبر ثان لأنتم، وَالتَّقْدِيرُ: فَأَنْتُمْ مُسْتَوُونَ مَعَهُمْ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ، تَخَافُونَهُمْ كَمَا يَخَافُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا السَّادَةُ. وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الشَّرِكَةِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْخَوْفِ، وَلَيْسَ النَّفْيُ مُنْسَحِبًا عَلَى الْجَوَابِ وَمَا بَعْدَهُ فَقَطْ، كَأَحَدِ وَجْهَيْ ما تأتينا فتحدثنا، أي مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُنَا، إِنَّمَا تَأْتِي وَلَا تُحَدِّثُ، بَلْ هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، أَيْ مَا تَأْتِينَا فَكَيْفَ تُحَدِّثُنَا؟ أَيْ لَيْسَ مِنْكَ إِتْيَانٌ فَلَا يَكُونُ حَدِيثٌ. وَكَذَلِكَ هَذَا لَيْسَ لَهُمْ شَرِيكٌ، فَلَا اسْتِوَاءَ وَلَا خوف. وقرأ الجمهور: أنفسكم، بِالنَّصْبِ، أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الْفَاعِلِ وَابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ: بِالرَّفْعِ، أُضِيفَ الْمَصْدَرُ لِلْمَفْعُولِ، وَهُمَا وَجْهَانِ حَسَنَانِ، وَلَا قُبْحَ فِي إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاعِلِ.
كَذلِكَ: أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ، نُفَصِّلُ الْآياتِ: أَيْ نُبَيِّنُهَا، لِأَنَّ التَّمْثِيلَ مِمَّا يَكْشِفُ الْمَعَانِيَ وَيُوَضِّحُهَا، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصْوِيرِ وَالتَّشْكِيلِ لَهَا. أَلَا تَرَى كَيْفَ صَوَّرَ الشِّرْكَ بِالصُّورَةِ الْمُشَوَّهَةِ؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُفَصِّلُ، بِالنُّونِ، حَمْلًا عَلَى رَزَقْنَاكُمْ وَعَبَّاسٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: بِيَاءِ الغيبة، رعيا لضرب، إِذْ هُوَ مُسْنَدٌ لِلْغَائِبِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ أَصْلِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ، لِافْتِقَارِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، كَأَنَّهُ يَقُولُ:
الْمُمْتَنِعُ وَالْمُسْتَقْبَحُ شَرِكَةُ الْعَبِيدِ لِسَادَاتِهِمْ أَمَّا شَرِكَةُ السَّادَاتِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَلَا يَمْتَنِعُ وَلَا يستقبح. والإضراب ببل فِي قَوْلِهِ: بَلِ اتَّبَعَ جَاءَ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ، إِذِ الْمَعْنَى: لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ وَلَا مَعْذِرَةٌ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ، بَلْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ هَوًى بِغَيْرِ عِلْمٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هَوًى لِلْإِنْسَانِ، وهو يعلم. والَّذِينَ ظَلَمُوا: هُمُ الْمُشْرِكُونَ، اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ جَاهِلِينَ هَائِمِينَ عَلَى أَوْجُهِهِمْ، لَا يُرْغِمُهُمْ عَنْ هَوَاهُمْ عِلْمٌ، إِذْ هُمْ خَالُونَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي قَدْ يَرْدَعُ مُتَّبِعَ الْهَوَى. فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ: أَيْ لَا أَحَدَ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، أَيْ