الْمُجَادِلِ، ذَكَرَ حَالَ الْمُسْلِمِ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ مُنْتَهَى الْأُمُورِ صَائِرَةٌ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَالْعُرْوَةُ: مَوْضِعُ التَّعْلِيقِ، فَكَأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُتَعَلِّقٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْعُرْوَةِ. وَسَلَّى رَسُولَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ كَفَرَ، إِلَى آخِرِهِ، وَشَبَّهَ إِلْزَامَ الْعَذَابِ وَإِرْهَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِاضْطِرَارِ مَنْ يُضْطَرُّ إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ، وَلَا الِانْفِكَاكُ مِنْهُ. وَالْغِلَظُ يَكُونُ فِي الْإِجْرَامِ، فَاسْتُعِيرَ لِلْمَعْنَى، وَالْمُرَادُ: الشِّدَّةُ. لَيَقُولُنَّ اللَّهُ: أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ، وَيَدْعُونَ مَعَ ذَلِكَ إِلَهًا غَيْرَهُ. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ظُهُورِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ: إِضْرَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: لَيْسَ دَعْوَاهُمْ، نَحْوَ:
لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ ادِّعَاءِ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ ذُو عِلْمٍ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ، فَلَا افْتِقَارَ لَهُ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ. الْحَمِيدُ:
الْمُسْتَحِقُّ الْحَمْدَ عَلَى مَا أَنْشَأَ وَأَنْعَمَ.
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ مَا فِي السموات وَالْأَرْضِ مِلْكٌ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مُتَنَاهِيًا، بَيَّنَ أَنَّ فِي قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ عَجَائِبَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، فَقَالَ: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّ بَعْدَ لَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، أَيْ لَوْ وَقَعَ أَوْ ثَبَتَ عَلَى رَأْيِ الْمُبَرِّدِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفِ الْخَبَرِ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ، وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. ومِنْ شَجَرَةٍ: تبيين لما، وَهُوَ فِي التَّقْرِيرِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْمُنْتَقِلِ مِنَ الْعَامِلِ فِيهِ، وَتَقْدِيرُهُ: وَلَوْ أَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي الْأَرْضِ كَائِنًا مِنْ شَجَرَةٍ وَأَقْلَامٍ خَبَرٌ لأن، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَى الزَّمَخْشَرِيِّ وَبَعْضِ الْعَجَمِ مِمَّنْ يَنْصُرُ قَوْلَهُ: إِنَّ خَبَرَ أَنَّ الْجَائِيَةِ بَعْدَ لولا يَكُونُ اسْمًا جَامِدًا وَلَا اسْمًا مُشْتَقًّا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَلِسَانُ الْعَرَبِ طافع بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَوْ أَنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتُهَا مسومة تدعو عبيدا وأيما
وَقَالَ الْآخَرُ:
مَا أَطْيَبَ الْعَيْشَ لَوْ أَنَّ الْفَتَى حَجَرٌ تَنْبُو الْحَوَادِثُ عَنْهُ وَهُوَ مَلْمُومُ
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَوْ أَنَّ حَيًّا فَائِتُ الْمَوْتِ فَاتَهُ أَخُو الْحَرْبِ فوق القارح القدوان
وَهُوَ كَثِيرٌ فِي لِسَانِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: وَالْبَحْرُ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ، وَهُمُ


الصفحة التالية
Icon