وَالْعَادَةِ، كَمَا تَقُولُ لِصَاحِبِكَ: وَجَدْتَ مِثْلَ تِلْكَ الْفُرْصَةِ، ثُمَّ لَمْ تَنْتَهِزْهَا اسْتِبْعَادًا لِتَرْكِهِ الِانْتِهَازَ، وَمِنْهُ ثُمَّ فِي بَيْتِ الشَّاعِرِ:
وَلَا يَكْشِفُ الْغَمَّاءَ إِلَّا ابْنُ حُرَّةٍ | يَرَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا |
وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ أَجْرَمَ: مَنْ عَقَدَ لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، وَمَنْ نَصَرَ ظَالِمًا».
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ، وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ.
لَمَّا قَرَّرَ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ: الرِّسَالَةَ، وَبَدْءَ الْخَلْقِ، وَالْمَعَادَ، عَادَ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَدَأَ بِهِ، وَهُوَ الرِّسَالَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِدْعًا فِي الرِّسَالَةِ، إِذْ قَدْ سَبَقَ قَبْلَكَ رُسُلٌ. وَذَكَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِقُرْبِ زَمَانِهِ، وَإِلْزَامًا لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عِيسَى، لِأَنَّ مُعْظَمَ شَرِيعَتِهِ مُسْتَفَادٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَلِأَنَّ أَتْبَاعَ مُوسَى لَا يُوَافِقُونَ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَأَتْبَاعَ عِيسَى مُتَّفِقُونَ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى.
والْكِتابَ: التَّوْرَاةَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: فِي مُرْيَةٍ، بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مُوسَى، مُضَافًا إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ ضمير الرسول، أَيْ مِنْ لِقَائِكَ مُوسَى، أَيْ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، أَيْ شَاهَدْتَهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ النبي الَّذِي أُوتِيَ التَّوْرَاةَ،
وَقَدْ وصفه الرسول فَقَالَ: «آدَمُ طُوَالٌ جَعْدٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ حِينَ رَآهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ»، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: حِينَ امْتُحِنَ الزَّجَّاجُ بهذه المسألة.
(١) سورة القمر: ٥٤/ ٤٧- ٤٩.