وَابْنُ وَثَّابٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: بِيَاءٍ مِنْ تَحْتُ فِي ثَلَاثَتِهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَرَأَ:
وَمَنْ يَقْنُتْ بِالْيَاءِ، حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَيَعْمَلُ بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مِنْ قَالَ فَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: هَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ التَّذْكِيرَ أَصْلٌ لَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلتَّأْنِيثِ، وَمَا عَلَّلُوهُ بِهِ قَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا «١». انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى خالِصَةٌ فِي الْأَنْعَامِ. وَالرِّزْقُ الْكَرِيمُ: الْجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ وَعْدٌ دُنْيَاوِيٌّ، أَيْ أَنَّ أَرْزَاقَهَا فِي الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ كَرِيمٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَلَالٌ وَقَصْدٌ، وَبِرِضًا مِنَ اللَّهِ فِي نَيْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْعَذَابُ الَّذِي تُوُعِّدَ بِهِ ضِعْفَيْنِ هُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا، ثُمَّ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ الْأَجْرُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَإِنَّمَا ضُوعِفَ أَجْرُهُنَّ لِطَلَبِهِنَّ رِضَا رَسُولِ الله، بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطِيبِ الْمُعَاشَرَةِ والقناعة والتوقر عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ.
يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ: أَيْ لَيْسَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ مِنَ النِّسَاءِ، أَيْ مِنْ نِسَاءِ عَصْرِكَ. وَلَيْسَ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَى التَّشْبِيهِ فِي كَوْنِهِنَّ نِسْوَةً. تَقُولُ:
لَيْسَ زَيْدٌ كَآحَادِ النَّاسِ، لَا تُرِيدُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ عَنْ كَوْنِهِ إِنْسَانًا، بَلْ فِي وَصْفٍ أَخَصَّ مَوْجُودٍ فِيهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَالِمًا، أَوْ عَامِلًا، أَوْ مُصَلِّيًا. فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُوجَدُ فِيكُنَّ مِنَ التَّمْيِيزِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِكُنَّ، وَهُوَ كَوْنُكُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوْجَاتِ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ. وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فِيكُنَّ، فَكَمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ كَأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ، كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ»
، كَذَلِكَ زَوْجَاتُهُ اللَّاتِي تَشَرَّفْنَ بِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَحَدٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى وَحَدٍ، وَهُوَ الْوَاحِدُ ثُمَّ وُضِعَ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ مُسْتَوِيًا فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْوَاحِدُ وَمَا وَرَاءَهُ، وَالْمَعْنَى:
لَسْتُنَّ كَجَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمَاعَاتِ النِّسَاءِ، أَيْ إِذَا تَقَصَّيْتَ أُمَّةَ النِّسَاءِ جَمَاعَةً جَمَاعَةً، لَمْ يُوجَدْ مِنْهُنَّ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ تُسَاوِيكُنَّ فِي الْفَضْلِ وَالسَّابِقَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «٢»، يُرِيدُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ، تَسْوِيَةً بَيْنَ جَمِيعِهِمْ فِي أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ. انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ: أَحَدٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى: وَحَدٍ، وَهُوَ الْوَاحِدُ فَصَحِيحٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ وَضَعَ، إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا وَرَاءَهُ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ مَدْلُولُهُ غَيْرُ مَدْلُولِ واحدا، لأن واحد يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ اتصف بالوحدة، وأحد الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَعْقِلُ. وَذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ أَنَّ مَادَّتَهُ هَمْزَةٌ وَحَاءٌ وَدَالٌ، وَمَادَّةُ أَحَدٍ بِمَعْنَى وَحَدٍ أَصْلُهُ وَاوٌ وَحَاءٌ وَدَالٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَا مادة ومدلولا.

(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٣٩.
(٢) سورة النساء: ٤/ ١٥٢.


الصفحة التالية
Icon