وَالْحُسَيْنِ بِأَنَّهُمَا كَانَا طِفْلَيْنِ. وَإِضَافَةُ رِجَالِكُمْ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ يُخْرِجُ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِيهِ، لِأَنَّهُمْ رِجَالُهُ، لَا رِجَالُ الْمُخَاطِبِينَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلكِنْ رَسُولَ، بِتَخْفِيفِ لَكِنْ وَنَصْبِ رَسُولَ عَلَى إِضْمَارِ كَانَ، لِدَلَالَةِ كَانَ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ قِيلَ: أَوْ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى أَبا أَحَدٍ. وَقَرَأَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: بِالتَّشْدِيدِ وَالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَكِنَّ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ هُوَ، أَيْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَذْفُ خَبَرِ لَكِنَّ وَأَخَوَاتِهَا جَائِزٌ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

فَلَوْ كُنْتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرَابَتِي وَلَكِنَّ زَنْجِيًّا عَظِيمَ الْمَشَافِرِ
أَيْ: أَنْتَ لَا تَعْرِفُ قَرَابَتِي. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بالتخفيف، ورفع ورسوله وخاتم، أَيْ وَلَكِنْ هُوَ رَسُولٌ الله، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَسْتُ الشَّاعِرَ السَّقَّافَ فِيهِمْ وَلَكِنْ مَدَرَةَ الْحَرْبِ الْعَوَالِ
أَيْ: لَكِنْ أَنَا مَدَرَةٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: خاتَمَ، بِكَسْرِ التَّاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ، أَيْ جَاءَ آخِرَهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ
وَعَنْهُ: أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ
فِي حَدِيثِ وَاللَّبِنَةِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَلْفَاظٌ تَقْتَضِي نَصًّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَالْمَعْنَى أَنْ لَا يَتَنَبَّأَ أَحَدٌ بَعْدَهُ، وَلَا يَرِدُ نُزُولُ عِيسَى آخِرَ الزَّمَانِ، لِأَنَّهُ مِمَّنْ نُبِّئَ قَبْلَهُ، وَيَنْزِلُ عَامِلًا عَلَى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم مُصَلِّيًا إِلَى قِبْلَتِهِ كَأَنَّهُ بَعْضُ أُمَّتِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْهِدَايَةِ، مِنْ تَجْوِيزِ الِاحْتِمَالِ فِي أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآيَةِ ضَعِيفٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالِاقْتِصَادِ، وَتَطَرَّقَ إِلَى تَرْكِ تَشْوِيشِ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَتْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةَ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْهُ، وَاللَّهُ الْهَادِي بِرَحْمَتِهِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْأَعْرَجُ: بِخِلَافٍ وَعَاصِمٌ: بِفَتْحِ التَّاءِ بِمَعْنَى:
أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا، فَهُوَ كَالْخَاتَمِ وَالطَّابَعِ لَهُمْ.
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ لَا تَنْقَطِعُ، أَوْ إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ أَفْضَلُ مِنَ النَّبِيِّ، فَهُوَ زِنْدِيقٌ يَجِبُ قَتْلُهُ. وَقَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ ناس، فقلهم الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ فِي عَصْرِنَا شَخْصٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِمَدِينَةِ مالقة، فقتله السلطان بْنُ الْأَحْمَرِ، مَلِكُ الْأَنْدَلُسِ بِغَرْنَاطَةَ، وَصُلِبَ إِلَى أَنْ تَنَاثَرَ لَحْمُهُ.
وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً: هَذَا عَامٌّ، وَالْقَصْدُ هُنَا عِلْمُهُ تَعَالَى بِمَا رَآهُ الْأَصْلَحَ لِرَسُولِهِ، وَبِمَا قَدَّرَهُ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِذِكْرِهِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَقْدِيسِهِ،


الصفحة التالية
Icon