كَافَّةٌ مُهَيِّئَةٌ لِدُخُولِ إِنْ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ، وَذُكِّرَ الضَّمِيرُ فِي أُوتِيتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَائِدًا عَلَى النِّعْمَةِ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا مُذَكَّرٌ، وَهُوَ الْأَنْعَامُ أَوِ الْمَالُ، عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَحَ النِّعْمَةَ بِالْمَالِ، أَوِ الْمَعْنَى: شَيْئًا مِنَ النِّعْمَةِ، أَوْ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مُذَكَّرٍ وَمُؤَنَّثٍ، فَغُلِّبَ الْمُذَكَّرُ. وَقِيلَ: مَا مَوْصُولَةٌ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا، أَيْ قَالَ: إِنَّ الَّذِي أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ مِنِّي، أَيْ بِوَجْهِ الْمَكَاسِبِ وَالْمَتَاجِرِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَفِيهِ إِعْجَابٌ بِالنَّفْسِ وَتَعَاظُمٌ مُفْرِطٌ. أو على علم من اللَّهِ فِيَّ وَاسْتِحْقَاقِ جَزَائِهِ عِنْدَ اللَّهِ، وَفِي هَذَا احتراز الله وَعَجْزٌ وَمَنٌّ عَلَى اللَّهِ. أَوْ عَلَى عِلْمٍ مِنِّي بِأَنِّي سَأُعْطَاهُ لِمَا فِيَّ مِنْ فَضْلٍ وَاسْتِحْقَاقٍ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ إِضْرَابٌ عَنْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أُوتِيَ عَلَى عِلْمٍ، بَلْ تِلْكَ النِّعْمَةُ فِتْنَةٌ وَابْتِلَاءٌ. ذَكَّرَ أَوَّلًا فِي أُوتِيتُهُ عَلَى الْمَعْنَى، إِذْ كَانَتْ مَا مُهَيِّئَةً، ثُمَّ عَادَ إِلَى اللَّفْظِ فَأَنَّثَ فِي قَوْلِهِ بَلْ هِيَ، أَوْ تَكُونُ هِيَ عَادَتْ عَلَى الْإِتْيَانِ، أَيْ بَلْ إِتْيَانُهُ النِّعْمَةَ فِتْنَةٌ. وَكَانَ الْعَطْفُ هُنَا بالفاء في فإذا، وبالواو فِي أَوَّلِ السُّورَةِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مُسَبَّبَةً عَنْ قَوْلِهِ: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ، أَيْ يَشْمَئِزُّونَ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِذِكْرِ آلِهَتِهِمْ. فَإِذَا مَسَّ أَحَدُهُمْ ضُرٌّ دَعَا مَنِ اشْمَأَزَّ مِنْ ذِكْرِهِ دُونَ مَنِ اسْتَبْشَرَ بِذِكْرِهِ. وَمُنَاسِبَةُ السَّبَبِيَّةِ أَنَّكَ تَقُولُ: زَيْدٌ مُؤْمِنٌ، فَإِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ الْتَجَأَ إِلَى اللَّهِ. فَالسَّبَبُ هَنَا ظَاهِرٌ، وَزَيْدٌ كَافِرٌ، فَإِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ الْتَجَأَ إِلَيْهِ، يُقِيمُ كُفْرَهُ مَقَامَ الْإِيمَانِ فِي جَعْلِهِ سَبَبًا لِلِالْتِجَاءِ، يَحْكِي عَكْسَ مَا فِيهِ الْكَافِرُ. يَقْصِدُ بِذَلِكَ الْإِنْكَارَ وَالتَّعَجُّبَ مِنْ فِعْلِهِ الْمُتَنَاقِضِ، حَيْثُ كَفَرَ بِاللَّهِ ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَلَمْ تَقَعْ مُسَبَّبَةً، بَلْ نَاسَبَتْ مَا قَبْلَهَا، فَعُطِفَتْ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ، وَإِذَا كَانَتْ فَإِذَا مُتَّصِلَةً بِقَوْلِهِ: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ، كَمَا قُلْنَا، فَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْآيِ اعْتِرَاضٌ يُؤَكَّدُ بِهِ مَا بَيْنَ الْمُتَّصِلِينَ. فَدُعَاءُ الرَّسُولِ رَبَّهُ بِأَمْرٍ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: أَنْتَ تَحْكُمُ، وَتَعْقِيبُهُ الْوَعِيدَ، تَأْكِيدٌ لِاشْمِئْزَازِهِمْ وَاسْتِبْشَارِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إِلَى اللَّهِ فِي الشَّدَائِدِ دُونَ آلِهَتِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يَتَنَاوَلُ لَهُمْ، أَوْ لِكُلِّ ظَالِمٍ، إِنْ جُعِلَ مُطْلَقًا أَوْ إِيَّاهُمْ خَاصَّةً إِنْ عُنُوا بِهِ. انْتَهَى، وَهُوَ مُلْتَقَطٌ أَكْثَرُهُ مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَهُوَ مُتَكَلِّفٌ فِي رَبْطِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَوَاصِلِ. وَإِذَا كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ لَا يُجِيزُ الِاعْتِرَاضَ بِجُمْلَتَيْنِ، فَكَيْفَ يُجِيزُهُ بِهَذِهِ الْجُمَلِ الْكَثِيرَةِ؟ وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الرَّبْطِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا الْآيَةَ، كَانَ ذَلِكَ إِشْعَارًا بِمَا يَنَالُ الظَّالِمِينَ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ، وَأَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ظُلْمِهِ وَبَغْيِهِ، إِذْ كَانَ إِذَا مَسَّهُ دَعَا رَبَّهُ، فَإِذَا أَحْسَنَ إِلَيْهِ، لَمْ يُنْسِبْ ذَلِكَ إِلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدُ وَصَفَ تِلْكَ النِّعْمَةِ أَنَّهَا ابْتِلَاءٌ وَفِتْنَةٌ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَنْ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَظُنُّهُ


الصفحة التالية
Icon