انْتَهَى. فَهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْخِلَافَ إِلَّا فِي قَوْلِ الْمُؤْمِنِ: أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ، فَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي قَوْلِ فِرْعَوْنَ خَطَأٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الرَّشَّادَ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا فِي قَوْلِ الْمُؤْمِنِ، لَا فِي قَوْلِ فِرْعَوْنَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَلِكَ التَّأْوِيلُ مِنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ وهم.
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ، وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ، وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ، الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ، وَقالَ فِرْعَوْنُ يَا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ، أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ، وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ، يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ، مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ.
الْجُمْهُورُ: عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُؤْمِنَ هُوَ الرَّجُلُ الْقَائِلُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا، قَصَّ اللَّهُ أَقَاوِيلَهُ إِلَى آخَرِ الْآيَاتِ. لَمَّا رَأَى مَا لَحِقَ فِرْعَوْنَ مِنَ الْخَوَرِ وَالْخَوْفِ، أَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ التَّهْدِيدِ، وَخَوَّفَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ مِنَ اسْتِئْصَالِ الْهَلَاكِ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ حَتَّى سَرَدَ عَلَيْهِ مَا سَرَدَ، وَلَمْ يَهَبْ فِرْعَوْنَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ كَلَامُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ قَدْ تَمَّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى بِالَّذِي آمَنَ بِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاحْتَجُّوا بِقُوَّةِ كَلَامِهِ، وَأَنَّهُ جَنَحَ مَعَهُمْ بِالْإِيمَانِ، وَذَكَرَ عَذَابَ الْآخِرَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ كلام الأول الاعلانية لَهُمْ، وَأَفْرَدَ الْيَوْمَ، إِمَّا لِأَنَّ الْمَعْنَى مِثْلُ أَيَّامِ الْأَحْزَابِ، أَوْ أَرَادَ بِهِ الْجَمْعَ، أَيْ مِثْلَ أَيَّامِ الْأَحْزَابِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ حِزْبٍ كَانَ لَهُ يَوْمٌ. والْأَحْزابِ: الَّذِينَ تَحَزَّبُوا على أنبياء الله. ومِثْلَ دَأْبِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بَدَلٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطْفُ بَيَانٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مِثْلَ يوم حزب ودأب عَادَتُهُمْ وَدَيْدَنُهُمْ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي. وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ، أَيْ إِنَّ إِهْلَاكَهُ إِيَّاهُمْ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ، وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي نَفْيِ الظُّلْمِ، حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ. فَإِذَا نَفَاهُ عَنِ الْإِرَادَةِ، كَانَ نَفْيُهُ عَنِ الْوُقُوعِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَلَمَّا خَوَّفَهُمْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مَا حَلَّ بِالْأَحْزَابِ، خَوَّفَهُمْ أَمْرَ الْآخِرَةِ فَقَالَ، تَعَطُّفًا لَهُمْ بِنِدَائِهِمْ: يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ، وَهُوَ