ضَلُّوا عَنَّا، مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ «١»، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ تَقْرِيعِهِمْ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَهُمْ إِذْ ذَاكَ، أَوْ لَمَّا لَمْ يَنْفَعُوهُمْ قَالُوا: ضَلُّوا عَنَّا، وَإِنْ كَانُوا مَعَهُمْ. كَذلِكَ: أَيْ مِثْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ، يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ مِثْلَ ضَلَالِ آلِهَتِهِمْ عَنْهُمْ، يُضِلُّهُمْ عَنْ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى لَوْ طَلَبُوا الْآلِهَةَ أَوْ طَلَبَتْهُمُ الْآلِهَةُ لَمْ يَتَصَادَفُوا. ذَلِكُمُ الْإِضْلَالُ بِسَبَبِ مَا كَانَ لَكُمْ مِنَ الْفَرَحِ وَالْمَرَحِ، بِغَيْرِ الْحَقِّ: وهو الشهادة عبادة الْأَوْثَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ. انتهى. وتَمْرَحُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَشَرُ وَالْبَطَرُ. انْتَهَى، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ تَوْبِيخًا أَيْ إِيمَانًا لَكُمْ هَذَا بِمَا كُنْتُمْ تُظْهِرُونَ فِي الدُّنْيَا مِنَ السُّرُورِ بِالْمَعَاصِي وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْأَتْبَاعِ وَالصِّحَّةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ، وَالْمَرَحُ: الْعُدْوَانُ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنِ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَذِخِينَ الْفَرِحِينَ وَيُحِبُّ كل قلب حزين».
وتفرحون وتمرحون مِنْ بَابِ تَجْنِيسِ التَّحْرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي عِلْمِ الْبَدِيعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ فَرْقًا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ.
ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا بَعْدَ الْمُحَاوَرَةِ السَّابِقَةِ، وَهُمْ قَدْ كَانُوا فِي النَّارِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ يُقَيَّدُ بِالْخُلُودِ، وَهُوَ الثَّوَاءُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ، فَلَيْسَ أَمْرًا بِمُطْلَقِ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا سَبْعَةَ أَبْوَابٍ الَّتِي لِكُلِّ بَابٍ مِنْهَا جُزْءٌ مَقْسُومٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِالدُّخُولِ يُفِيدُ التَّجْزِئَةَ لِكُلِّ بَابٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ادْخُلُوا مَعْنَاهُ: يُقَالُ لَهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ادْخُلُوا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَاطَبَةَ إِنَّمَا هِيَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ، وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ. وَأَبْوَابُ جَهَنَّمَ: هِيَ السَّبْعَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى طَبَقَاتِهَا وَأَدْرَاكِهَا السَّبْعَةِ. انْتَهَى.
وخالدين: حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَدَلَّتْ عَلَى الثَّوَاءِ الدَّائِمِ، فَجَاءَ التَّرْكِيبُ: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ: فَبِئْسَ مَدْخَلُ الْمُتَكَبِّرِينَ، لِأَنَّ نَفْسَ الدُّخُولِ لَا يَدُومُ، فَلَمْ يُبَالِغْ فِي ذَمِّهِ، بِخِلَافِ الثَّوَاءِ الدَّائِمِ.
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ، اللَّهُ

(١) سورة الأنبياء: ٢١/ ٩٨.


الصفحة التالية
Icon