يُرْجَعُونَ بِيَاءِ الْغَيبَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَعْقُوبُ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَطَلْحَةُ بْنُ مُطَرِّفٍ، وَيَعْقُوبُ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ حَسَّانَ: بِفَتْحِ تَاءِ الْخِطَابِ.
ثُمَّ رَدَّ تَعَالَى عَلَى الْعَرَبِ فِي إِنْكَارِهِمْ بَعْثَةَ الرُّسُلِ، وَفِي عَدَدِ الرُّسُلِ اخْتِلَافٌ.
رُوِيَ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ من بني إسراءيل، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَرُوِيَ: بَعَثَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ نَبِيٍّ
، مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ: أَيْ مَنْ أَخْبَرْنَاكَ بِهِ، أَمَّا فِي الْقُرْآنِ فَثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ،
وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيًّا أَسْوَدَ فِي الْحَبَشِ، فَهُوَ مِمَّنْ لَمْ يَقْصُصْ عَلَيْهِ.
وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَيْهِمْ، لَمَّا اقْتَرَحُوا عَلَى الرُّسُلِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَا تَأْتِي آيَةٌ إِلَّا إِنْ شَاءَ الله، فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: رَدٌّ وَوَعِيدٌ بِإِثْرِ اقتراحهم الآيات، وأمر الله: القيامة. والمبطلون:
المعاندون مقترحون الْآيَاتِ، وَقَدْ أَتَتْهُمُ الْآيَاتُ، فَأَنْكَرُوهَا وَسَمُّوهَا سِحْرًا، أَوْ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: أَيْ أَرَادَ إِرْسَالَ رَسُولٍ وَبَعْثَةَ نَبِيٍّ، قَضَى ذَلِكَ وَأَنْفَذَهُ بِالْحَقِّ، وَخَسِرَ كُلُّ مُبْطِلٍ، وَحَصَلَ عَلَى فَسَادِ آخِرَتِهِ، أَوْ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: وَهُوَ الْقَتْلُ بِبَدْرٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى آيَاتِ اعْتِبَارٍ وَتَعْدَادِ نِعَمٍ فَقَالَ: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ الْأَزْوَاجِ، وَيَضْعُفُ قَوْلُ مَنْ أَدْرَجَ فِيهَا الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ، وَقَوْلُ مَنْ خَصَّهَا بِالْإِبِلِ وَهُوَ الزَّجَّاجُ. لِتَرْكَبُوا مِنْها: وَهِيَ الْإِبِلُ، إِذْ لَمْ يُعْهَدْ رُكُوبُ غَيْرِهَا. وَمِنْها تَأْكُلُونَ: عَامٌّ فِي ثَمَانِيَةِ الأزواج، ومن الْأُولَى لِلتَّبْعِيضِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمِنْ الثَّانِيَةُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ الْجَمَلَ مِنْهَا يُؤْكَلُ. انْتَهَى، وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ لِلتَّبْعِيضِ وَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. وَلَمَّا كَانَ الرُّكُوبُ مِنْهَا هُوَ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً، إِذْ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ. وَذُكِرَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْجَمِيعِ مَنَافِعَ مِنْ شُرْبِ لَبَنٍ وَاتِّخَاذِ دِثَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَكَّدَ مَنْفَعَةَ الرُّكُوبِ بِقَوْلِهِ: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ مِنْ بُلُوغِ الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ، وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ إِلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ، وَقَضَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ. وَلَمَّا كَانَ الرُّكُوبُ وَبُلُوغُ الْحَاجَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ قَدْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الِانْتِقَالِ لِأَمْرٍ وَاجِبٍ، أَوْ مَنْدُوبٍ كَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، دَخَلَ حَرْفُ التَّعْلِيلِ عَلَى الرُّكُوبِ وَعَلَى الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مِنْ بُلُوغِ الْحَاجَاتِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً لِجَعْلِ الْأَنْعَامِ لَنَا. وَلَمَّا كَانَ الْأَكْلُ وَإِصَابَةُ الْمَنَافِعِ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ، لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عِلَّةً فِي الْجَعْلِ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا نَأْكُلُ، وَلَنَا فِيهَا مَنَافِعُ مِنْ شُرْبِ لَبَنٍ وَاتِّخَاذِ دِثَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا


الصفحة التالية
Icon