وَأَبُو عَمْرٍو، وَالنَّخَعِيُّ، وَعِيسَى، وَالْأَعْرَجُ نَحْسَاتٍ، بِسُكُونِ الْحَاءِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وُصِفَ بِهِ وَتَارَةً يُضَافُ إِلَيْهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُخَفَّفًا مِنْ فَعَّلَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ:
نَحُسَ وَنَحِسَ: مَقَتَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُخَفَّفُ نَحَّسَ، أَوْ صِفَةً عَلَى فُعْلٍ، أَوْ وَصْفٌ بِمَصْدَرٍ. انْتَهَى. وَتَتَبَّعْتُ مَا ذَكَرَهُ التَّصْرِيفِيُّونَ مِمَّا جَاءَ صِفَةً مِنْ فَعَلَ اللَّازِمِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ فَعْلًا بِسُكُونِ الْعَيْنِ، قَالُوا: يَأْتِي عَلَى فَعِلَ كَفَرِحَ وَهُوَ فَرِحٌ، وَعَلَى أَفْعَلُ حَوَرَ فَهُوَ أَحْوَرُ، وَعَلَى فَعْلَانِ شَبِعَ فَهُوَ شَبْعَانُ، وَقَدْ يَجِيءُ عَلَى فَاعِلٍ سَلِمَ فَهُوَ سَالِمٌ، وَبَلِيَ فَهُوَ بَالٍ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِعْلُهُ نَحِسَ عَلَى فِعْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، ونحسات صفة لأيام جُمِعَ بِأَلِفٍ وَتَاءٍ، لِأَنَّهُ جَمْعُ صِفَةٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ. قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالسَّدِّيُّ: مَشَائِيمُ مِنَ النَّحْسِ الْمَعْرُوفِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: شَدِيدَةُ الْبَرْدِ، وَحَتَّى كَانَ الْبَرْدُ عَذَابًا لَهُمْ. وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ فِي النَّحْسِ بِمَعْنَى الْبَرْدِ:

كَأَنَّ سُلَافَةً عَرَضَتْ بِنَحْسٍ يَخِيلُ شَقِيقُهَا الْمَاءَ الزُّلَالَا
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَاتُ غُبَارٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
قَدْ أَغْتَدِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلصَّيْدِ فِي يَوْمٍ قَلِيلِ النَّحْسِ
يُرِيدُ: قَلِيلِ الْغُبَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: مُتَتَابِعَاتٍ كَانَتْ آخِرَ شَوَّالٍ مِنْ أَرْبِعَاءَ إِلَى أَرْبِعَاءَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَوَّلُهَا غَدَاةَ يَوْمِ الْأَحَدِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: يَوْمُ الْجُمْعَةِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ: يَوْمُ الْأَحَدِ. لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:
وَهُوَ الهلاك. وقرىء: لِتُذِيقَهُمْ بِالتَّاءِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى الْإِذَاقَةِ لِلرِّيحِ، أَوْ لِلْأَيَّامِ النَّحِسَاتِ. وَأَضَافَ الْعَذَابَ إِلَى الْخِزْيِ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظَةِ أُخْرَى الَّتِي تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ وَالتَّفْصِيلَ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ، أَوْ وَصْفُ الْعَذَابِ بِالْخِزْيِ أَبْلَغُ مِنْ وَصْفِهِمْ بِهِ. أَلَا تَرَى تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ قَوْلِكِ: هُوَ شَاعِرٌ، وَقَوْلِهِ: لَهُ شِعْرُ شَاعِرٍ؟ وَقَابَلَ اسْتِكْبَارَهُمْ بِعَذَابِ الْخِزْيِ، وَهُوَ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ. وَبَدَأَ بِقِصَّةِ عَادٍ، لِأَنَّهَا أَقْدَمُ زَمَانًا، ثُمَّ ذَكَرَ ثَمُودَ فَقَالَ: وَأَمَّا ثَمُودُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِالرَّفْعِ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ وَابْنُ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَبَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ: مَصْرُوفًا، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ فِي ثَمُودٌ بِالتَّنْوِينِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ إِلَّا قَوْلَهُ: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ «١»، لِأَنَّهُ فِي
(١) سورة الإسراء: ١٨/ ٥٩.


الصفحة التالية
Icon