رَبِّكَ
«١». وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ: عِبَادُ الرَّحْمَنِ، جَمْعَ عَبْدٍ لِقَوْلِهِ: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ «٢». وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: عِبَادَ الرَّحْمَنِ، جَمْعًا.
وَبِالنَّصْبِ، حَكَاهَا ابْنُ خَالَوَيْهِ، قَالَ: وَهِيَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَذَلِكَ، وَالنَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ الَّذِينَ هُمْ خُلِقُوا عِبَادَ الرَّحْمَنِ، وَأَنْشَئُوا عِبَادَ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا. وَقَرَأَ أُبَيٌّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مُفْرَدًا، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ. وَقَرَأَ الجمهور: وأشهدوا، بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ دَاخِلَةً عَلَى شَهِدُوا، مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، أَيْ أَحَضَرُوا خَلْقَهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَهَادَةٍ تَحْمِلُ الْمَعَانِيَ الَّتِي تُطْلَبُ أَنْ تُؤَدَّى.
وَقِيلَ: سَأَلَهُمُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«مَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُمْ إِنَاثٌ؟» فَقَالُوا: سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ آبَائِنَا، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْذِبُوا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ عَنْهَا
، أَيْ فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ: بِهَمْزَةٍ دَاخِلَةٍ عَلَى أُشْهِدُوا، رُبَاعِيًّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِلَا مَدٍّ بَيْنَ الهمزتين. والمسبى عَنْهُ: بِمَدَّةٍ بَيْنَهُمَا
وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَمْرٍو، وَنَافِعٍ: بِتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ بِلَا مَدٍّ
وَجَمَاعَةٌ: كَذَلِكَ بِمَدٍّ بَيْنَهُمَا.
وَعَنْ عَلِيٌّ وَالْمُفَضَّلُ، عَنْ عَاصِمٍ: تَحْقِيقُهُمَا بِلَا مَدٍّ
وَالزُّهْرِيُّ وَنَاسٌ: أُشْهِدُوا بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ رُبَاعِيًّا، فَقِيلَ: الْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهَا. وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِلْإِنَاثِ، أَيْ إِنَاثًا مُشْهَدًا مِنْهُمْ خَلْقُهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَوْا لِجَرَاءَتِهِمْ أَنَّهُمْ إِنَاثٌ، صَارُوا كَأَنَّهُمُ ادَّعَوْا ذَلِكَ وَإِشْهَادَهُمْ خَلْقَهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنَاثًا، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ:
أُنُثًا، جَمْعَ جَمْعِ الْجَمْعِ. قِيلَ: وَمَعْنَى وَجَعَلُوا: سَمُّوا، وَقَالُوا: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَصَيَّرُوا اعْتِقَادَهُمُ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ فِيهِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ، وَالْمَعْنِيُّ: إِظْهَارُ فَسَادِ عُقُولِهِمْ، وَأَنَّ دَعَاوِيَهُمْ مُجَرَّدَةٌ مِنَ الْحُجَّةِ، وَهَذَا نَظِيرُ الْآيَةِ الطَّاعِنَةِ عَلَى أَهْلِ التَّنْجِيمِ وَالطَّبَائِعِ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ «٣». وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
سَتُكْتَبُ، بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقٍ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. شَهَادَتُهُمْ: بِالرَّفْعِ مُفْرَدًا وَالزُّبَيْرِيُّ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ بِالْيَاءِ وَالْحَسَنُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ، وَجَمْعِ شَهَادَتِهِمْ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَالْأَعْرَجُ: بِالنُّونِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، شهادتهم على الإفراد. وقرأ فِرْقَةٌ: سَيَكْتُبُ بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، أَيْ اللَّهُ شَهَادَتَهُمْ: بِفَتْحِ التَّاءِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِأُنُوثَتِهِمْ. وَيُسْأَلُونَ: وَهَذَا وَعِيدٌ.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٢٦.
(٣) سورة الكهف: ١٨/ ٥١.