يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ، أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ.
بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَنَافِعَ الدُّنْيَا وَطَيِّبَاتِهَا حَقِيرَةٌ خَسِيسَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ وَلَوْلَا أَنْ يَرْغَبَ النَّاسُ فِي الكفر، إذ رَأَوُا الْكَافِرَ فِي سَعَةٍ، وَيَصِيرُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْكُفْرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: لَأَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ تَعَالَى اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ يُغْنِيَ وَيُفْقِرَ الْكَافِرَ وَالْمُؤْمِنَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّامُ فِي: لِمَنْ يَكْفُرُ، لَامُ الْمِلْكِ، وَفِي: لِبُيُوتِهِمْ، لَامُ تَخْصِيصٍ. كَمَا تَقُولُ: هَذَا الْكِسَاءُ لِزَيْدٍ لِدَابَّتِهِ، أَيْ هُوَ لِدَابَّتِهِ حِلْسٌ وَلِزَيْدٍ مِلْكٌ، انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ، لِأَنَّ لِبُيُوتِهِمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ أُعِيدَ مَعَهُ الْعَامِلُ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَدَلٌ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ الثَّانِيَةُ إِلَّا بِمَعْنَى اللَّامِ الْأُولَى. أَمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَدْلُولُ، فَلَا وَاللَّامُ فِي كِلَيْهِمَا لِلتَّخْصِيصِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِبُيُوتِهِمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ: لِمَنْ يَكْفُرُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَا بِمَنْزِلَةِ اللَّامَيْنِ فِي قَوْلِكَ: وَهَبْتُ لَهُ ثُوبًا لِقَمِيصِهِ.
انْتَهَى، وَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَيَجُوزُ إِلَى آخِرِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سُقُفًا، بِضَمَّتَيْنِ وَأَبُو رَجَاءٍ: بِضَمٍّ وَسُكُونٍ، وَهُمَا جَمْعُ سَقْفٍ، لُغَةُ تَمِيمٍ، كَرَهْنٍ وَرُهُنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو:
بِفَتْحِ السِّينِ وَالسُّكُونِ عَلَى الْإِفْرَادِ. وَقَالَ الفراء: جمع سقيفة، وقرىء بِفَتْحَتَيْنِ، كَأَنَّهُ لُغَةٌ فِي سقف وقرىء: سُقُوفًا، جَمْعًا عَلَى فُعُولٍ نَحْوَ: كَعْبٍ وَكُعُوبٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
وَمَعَارِجَ جَمْعَ مَعْرَجٍ، وَطَلْحَةُ: وَمَعَارِيجَ جَمْعَ مِعْرَاجٍ، وَهِيَ الْمَصَاعِدُ إِلَى الْعَلَالِي عَلَيْهَا، أَيْ يَعْلُونَ السُّطُوحَ، كَمَا قَالَ: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ «١». وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وسررا، بضم السين وقرىء بِفَتْحِهَا، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ تَمِيمٍ وَبَعْضِ كَلْبٍ، وَذَلِكَ فِي جَمْعِ فَعِيلٍ الْمُضَعَّفِ إِذَا كَانَ اسْمًا بِاتِّفَاقٍ وَصِفَةً نَحْوَ: ثَوْبٌ جَدِيدٌ، وَثِيَابٌ جُدُدٌ، بِاخْتِلَافٍ بَيْنَ النُّحَاةِ.
وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مَعَاطِيفُ عَلَى قَوْلِهِ: سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ، فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تُوصَفَ الْمَعَاطِيفُ بِكَوْنِهَا مِنْ فِضَّةٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سُقُوفًا وَمَصَاعِدَ وَأَبْوَابًا وَسُرُرًا، كُلَّهَا مِنْ فِضَّةٍ. انْتَهَى، كَأَنَّهُ يَرَى اشْتِرَاكَ الْمَعَاطِيفِ فِي وَصْفِ مَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ وَزُخْرُفًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَجَعَلْنَا لَهُمْ زُخْرُفًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ: سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَزُخْرُفٍ، يَعْنِي: بَعْضَهَا من فضة