لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ، كَأَنَّ الْكَلَامَ: وَإِنَّ الْعُشَاةَ لَيَصُدُّونَهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنِ السَّبِيلِ، أَيْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالْفَوْزِ، وَيَحْسَبُونَ: أَيِ الكفار.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْحَرَمِيَّانِ: حَتَّى إذا جاآنا، عَلَى التَّثْنِيَةِ، أَيِ الْعَاشِي وَالْقَرِينُ إِعَادَةً عَلَى لَفْظِ مَنْ وَالشَّيْطَانِ الْقَرِينِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى صَالِحًا لِلْجَمْعِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ، وَالْأَعْرَجُ، وَعِيسَى، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْأَخَوَانِ: جَاءَنَا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ مَنْ أَعَادَ أَوَّلًا عَلَى اللَّفْظِ، ثُمَّ جُمِعَ عَلَى الْمَعْنَى، ثُمَّ أَفْرَدَ عَلَى اللَّفْظِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً «١» : أَفْرَدَ أَوَّلًا ثُمَّ جَمَعَ فِي قَوْلِهِ: خالِدِينَ، ثُمَّ أَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ: لَهُ رِزْقاً. رُوِيَ أَنَّهُمَا يُجْعَلَانِ يَوْمَ الْبَعْثِ فِي سِلْسِلَةٍ، فَلَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يُصَيِّرَهُمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ قَالَ، أَيِ الْكَافِرُ للشيطان: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ. تَمَنَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَصُدَّهُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ تَمَنَّى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّهُ جَوَابُ إِذَا الَّتِي لِلِاسْتِقْبَالِ، أَيْ مَشْرِقَيِ الشَّمْسِ:
مَشْرِقِهَا فِي أَقْصَرِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، وَمَشْرِقِهَا فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، قَالَهُ ابْنُ السَّائِبِ، أَوِ بُعْدَ الْمَشْرِقِ، أَوِ الْمَغْرِبِ غَلَبَ الْمَشْرِقُ فَثَنَّاهُمَا، كَمَا قَالُوا: الْعُمَرَانِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَالْقَمَرَانِ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْمَوْصِلَانِ فِي الْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ، وَالزَّهْدَمَانِ فِي زَهْدَمَ وَكَرْدَمَ، وَالْعَجَّاجَانِ فِي رُؤْبَةَ وَالْعَجَّاجِ، وَالْأَبَوَانِ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا بُعْدُ الْمَشْرِقَيْنِ؟ قُلْتُ: تَبَاعُدُهُمَا، وَالْأَصْلُ بُعْدُ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَالْمَغْرِبِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَلَمَّا غَلَبَ وجمع الْمُفْتَرِقَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَضَافَ الْبُعْدَ إِلَيْهِمَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: بُعْدُ الْمَشْرِقَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبَيْنِ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَشْرِقَيْنِ. وَكَأَنَّهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يُرِيدُ مَشْرِقَيِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَغْرِبَيْهِمَا. فَبِئْسَ الْقَرِينُ:
مُبَالَغَةٌ مِنْهُ فِي ذَمِّ قَرِينِهِ، إِذَا كَانَ سَبَبَ إِيرَادِهِ النَّارَ. وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، أَيْ فَبِئْسَ الْقَرِينُ أَنْتَ. وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ: حِكَايَةُ حَالٍ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ مَقَالَةٌ مُوحِشَةٌ حَرَمَتْهُمْ رُوحَ التَّأَسِّي، لِأَنَّهُ وَقَّفَهُمْ بِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمُ التَّأَسِّي لِعِظَمِ الْمُصِيبَةِ وَطُولِ العذاب واستمراره مُدَّتِهِ، إِذِ التَّأَسِّي رَاحَةُ كُلِّ مُصَابٍ فِي الدُّنْيَا فِي الْأَغْلَبِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الخنساء: