اسْتَفْهَمَ أَهُوَ خَيْرٌ مِمَّنْ هُوَ ضَعِيفٌ؟ لَا يَكَادُ يُفْصِحُ عَنْ مَقْصُودِهِ إِذَا تَكَلَّمَ، وَهُوَ الْمَلِكُ الْمُتَحَكِّمُ فِيهِمْ، قَالُوا لَهُ: بِلَا شَكٍّ أَنْتَ خَيْرٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: أَمْ بِمَعْنَى بَلْ، فَيَكُونُ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ إِلَى إِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّنْ ذَكَرَ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى | وَصَوَّرْتَهَا أَمْ أَنْتَ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ |
انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَكَلَّفٌ جِدًّا، إِذِ الْمُعَادِلُ إِنَّمَا يَكُونُ مُقَابِلًا لِلسَّابِقِ، وَإِنْ كَانَ السَّابِقُ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، كَانَ الْمُعَادِلُ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، أَوْ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، يَتَقَدَّرُ مِنْهَا فِعْلِيَّةٌ كَقَوْلِهِ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ «١» ؟ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَمْ صَمَتُّمْ؟ وَهُنَا لَا يَتَقَدَّرُ مِنْهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، لِأَنَّ قَوْلُهُ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ؟ لَيْسَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ: أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ وَإِنْ كَانَ السَّابِقُ اسْمًا، كَانَ الْمُعَادِلُ اسْمًا، أَوْ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً يَتَقَدَّرُ مِنْهَا اسْمٌ، نَحْوُ قَوْلِهِ:
أَمُخْدَجُ الْيَدَيْنِ أَمْ أَتَمَّتِ فَأَتَمَّتْ مُعَادِلٌ لِلِاسْمِ، فَالتَّقْدِيرُ: أَمْ مُتِمًّا؟ وَقِيلَ: حَذَفَ الْمُعَادِلَ بَعْدَ أَمْ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: تُبْصِرُونَ، فَحَذَفَ تُبْصِرُونَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا كَانَ بَعْدَ أَمْ لَا، نَحْوُ: أَيَقُومُ زَيْدٌ أَمْ لَا؟ تَقْدِيرُهُ: أَمْ لَا يَقُومُ؟ وَأَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ لَا، أَيْ أَمْ لَا هُوَ عِنْدَكَ. فَأَمَّا حَذْفُهُ دُونَ لَا، فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ أَمْ وَالْمُعَادِلُ، وَهُوَ قَلِيلٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
دَعَانِي إِلَيْهَا الْقَلْبُ إِنِّي لِأَمْرِهَا | سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا |
(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٩٣.
(٢) سورة طه: ٢٠/ ٢٧.
(٢) سورة طه: ٢٠/ ٢٧.