عَنْهُ: حُجَّتُهُمْ، أَيْ مَا تَكُونُ حُجَّتَهُمْ، لِأَنَّ إِذَا لِلِاسْتِقْبَالِ، وَخَالَفَتْ أَدَوَاتَ الشَّرْطِ بِأَنَّ جَوَابَهَا إِذَا كَانَ مَنْفِيًّا بِمَا، لَمْ تَدْخُلِ الْفَاءُ، بِخِلَافِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَاءِ. تَقُولُ: إِنْ تَزُرْنَا فَمَا جَفَوْتَنَا، أَيْ فَمَا تَجْفُونَا. وَفِي كَوْنِ الْجَوَابِ مَنْفِيًّا بِمَا، دَلِيلٌ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ أَنَّ جَوَابَ إِذَا لَا يَعْمَلُ فِيهَا، لِأَنَّ مَا بَعْدَ مَا النَّافِيَةِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا.
ائْتُوا: يَظْهَرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ، إِذْ هُمْ قَائِلُونَ بِمَقَالَتِهِ، أَوْ هُوَ خِطَابٌ لَهُ وَلِمَنْ جَاءَ بِالْبَعْثِ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَغَلَّبَ الْخِطَابَ عَلَى الْغَيْبَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ائْتُوا، مِنْ حَيْثُ الْمُخَاطَبَةُ لَهُ وَالْمُرَادُ: هُوَ وَإِلَهُهُ وَالْمَلَكُ الْوَسِيطُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ لَهُمْ فَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةُ قِيلَ لَهَا ائْتُوا وَإِنْ كُنْتُمْ. انْتَهَى. وَلَمَّا اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ مَا يُهْلِكُهُمْ إِلَّا الدَّهْرُ، وَأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا عَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ بِمَا لَا دَلِيلَ لَهُمْ فِيهِ مِنْ سُؤَالِ إِحْيَاءِ آبَائِهِمْ، رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُحْيِي، وَهُوَ الْمُمِيتُ لَا الدَّهْرُ، وَضَمَّ إِلَى ذَلِكَ آيَةً جَامِعَةً لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْبَعْثِ، وَهَذَا وَاجِبُ الِاعْتِرَافِ بِهِ إِنْ أَنْصَفُوا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِآبَائِهِمْ.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ، وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ، وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ، وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ، ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
الْعَامِلُ فِي وَيَوْمَ تَقُومُ: يخسر، ويَوْمَئِذٍ: بَدَلٌ مِنْ يَوْمٍ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ فِرْقَةٍ. وَالتَّنْوِينُ فِي يَوْمَئِذٍ تَنْوِينُ الْعِوَضِ عَنْ جُمْلَةٍ، وَلَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ إِلَّا قَوْلُهُ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، فَيَصِيرَ التَّقْدِيرُ: وَيَوْمَ تَقُومُ يَوْمَ إِذْ تَقُومُ السَّاعَةُ يَخْسَرُ وَلَا مَزِيدَ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ إِذْ تَقُومُ السَّاعَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ. فَإِنْ كَانَ بَدَلًا تَوْكِيدِيًّا، وَهُوَ قَلِيلٌ، جَازَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ الْعَامِلُ: فِي وَيَوْمَ تَقُومُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُلْكُ، قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَالٌ ثَالِثَةٌ لَيْسَتْ


الصفحة التالية
Icon