قَوْلِهِ: قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ «١». وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مَفْعُولُ أَرَأَيْتُمْ، كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ «٢» فِي سُورَةِ فَاطِرٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِيهَا. وَقَدْ أُمْضِيَ الْكَلَامُ فِي أَرَأَيْتُمْ فِي سُورَةِ الأنعام، فيطالع هناك:
ومِنَ الْأَرْضِ، تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ فِي: مَاذَا خَلَقُوا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، أَيْ خَلْقُ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ، أَوْ يَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مِنَ الْعَالِي عَلَى الْأَرْضِ، أَيْ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. ثُمَّ وَقَفَهُمْ عَلَى عِبَارَتِهِمْ فَقَالَ: أَمْ لَهُمْ: أَيْ: بَلْ.
أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا: أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَاطِقٌ بِالتَّوْحِيدِ وَبِإِبْطَالِ الشِّرْكِ، وَكُلَّ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِكِتَابٍ وَاحِدٍ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ.
أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ، أَيْ بَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ، أَيْ مِنْ عُلُومِ الْأَوَّلِينَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: سَمِنَتِ النَّاقَةُ عَلَى أَثَارَةٍ مِنْ شَحْمٍ، أَوْ عَلَى بَقِيَّةِ شَحْمٍ كَانَتْ بِهَا مِنْ شَحْمٍ ذَاهِبٍ. وَالْأَثَارَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي بَقِيَّةِ الشَّرَفِ يُقَالُ: لِبَنِي فُلَانٍ أَثَارَةٌ مِنْ شَرَفٍ، إِذَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ شَوَاهِدُ قَدِيمَةٌ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الرَّاعِي:
وَذَاتُ أَثَارَةٍ أَكَلَتْ عَلَيْنَا | نَبَاتًا فِي أَكِمَّتِهِ قِفَارَا |
إِنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا | بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالْآثِرِ |
وَقَرَأَ
(٢) سورة فاطر: ٣٥/ ٤٠.