فَبَصَرُكَ
، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْكَافِ، حَمْلًا عَلَى لَفْظِ كُلٌّ مِنَ التَّذْكِيرِ وَالْجَحْدَرِيُّ، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: عَنْكِ غِطَاءَكِ فَبَصَرُكِ، بِالْكَسْرِ مُرَاعَاةً لِلنَّفْسِ أَيْضًا، وَلَمْ يَنْقِلِ الْكَسْرَ فِي الْكَافِ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ إِلَّا عَنْ طَلْحَةَ وَحْدَهُ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ فِي لَقَدْ كُنْتَ. الكسر. فَإِنْ كَسَرَ، فَإِنَّ الْجَمِيعَ شَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ فَتَحَ لَقَدْ كُنْتَ، فَحَمْلٌ عَلَى كُلُّ أَنَّهُ مُذَكَّرٌ. وَيَجُوزُ تَأْنِيثُ كُلُّ فِي هَذَا الْبَابِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى نَفْسٍ، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ حَمَلَ بَعْضَهُ عَلَى اللَّفْظِ وَبَعْضَهُ عَلَى الْمَعْنَى، مِثْلُ قَوْلِهِ: فَلَهُ أَجْرُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «١». انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَالضَّحَّاكُ: يُقَالُ لِلْكَافِرِ الْغَافِلِ مِنْ ذَوِي النَّفْسِ الَّتِي مَعَهَا السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ، إِذَا حَصَلَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ، وَعَايَنَ الْحَقَائِقَ الَّتِي لَا يُصَدِّقُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيَتَغَافَلُ عَنِ النَّظَرِ فِيهَا: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا: أَيْ مِنْ عَاقِبَةِ الْكُفْرِ.
فَلَمَّا كَشَفَ الْغِطَاءَ عَنْكَ، احْتَدَّ بَصَرُكَ: أَيْ بَصِيرَتُكَ وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ حَدِيدُ الذِّهْنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ بَصَرُ الْعَيْنِ، أَيِ احْتَدَّ الْتِفَاتُهُ إِلَى مِيزَانِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَوْلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَحْرُمُ نَقْلُهُ، وَهُوَ فِي كِتَابِ ابْنِ عَطِيَّةَ. وَكَنَّى بِالْغِطَاءِ عَنِ الْغَفْلَةِ، كَأَنَّهَا غَطَّتْ جَمِيعَهُ أَوْ عَيْنَيْهِ، فَهُوَ لَا يُبْصِرُ. فَإِذَا كَانَ فِي الْقِيَامَةِ، زَالَتْ عَنْهُ الْغَفْلَةُ، فَأَبْصَرَ مَا كَانَ لَمْ يُبْصِرْهُ مِنَ الْحَقِّ.
وَقالَ قَرِينُهُ: أَيْ مِنْ زَبَانِيَةِ جَهَنَّمَ، هَذَا: الْعَذَابُ الَّذِي لَدَيَّ لِهَذَا الْإِنْسَانِ الْكَافِرِ، عَتِيدٌ: حَاضِرٌ، وَيُحَسِّنُ هَذَا الْقَوْلِ إِطْلَاقَ مَا عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
قَرِينُهُ: الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِسَوْقِهِ، أَيْ هَذَا الْكَافِرُ الَّذِي أَسُوقُهُ لَدَيَّ حَاضِرٌ. وَقَالَ الزَّهْرَاوِيُّ:
وَقِيلَ قَرِينُهُ: شَيْطَانُهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ أَنَّ الْقَرِينَ فِي قَوْلِهِ: رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ هُوَ شَيْطَانُهُ فِي الدُّنْيَا وَمُغْوِيهِ بِلَا خِلَافٍ. وَلَفْظُ الْقَرِينِ اسْمُ جِنْسٍ، فَسَائِقُهُ قَرِينٌ، وَصَاحِبُهُ مِنَ الزَّبَانِيَةِ قَرِينٌ، وَمُمَاشِي الْإِنْسَانِ فِي طَرِيقَةِ قَرِينٌ. وَقِيلَ: قَرِينُهُ هُنَا: عَمَلُهُ قَلْبًا وَجَوَارِحًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَالَ قَرِينُهُ: هُوَ الشَّيْطَانُ الذي قبض لَهُ فِي قَوْلِهِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ «٢»، يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ، هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ، هَذَا شَيْءٌ لَدَيَّ، وَفِي مَلَكَتِي عَتِيدٌ لِجَهَنَّمَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَلَكًا يَسُوقُهُ، وَآخَرَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، وَشَيْطَانًا مَقْرُونًا بِهِ يَقُولُ: قَدْ أَعْتَدْتُهُ لِجَهَنَّمَ وَهَيَّأْتُهُ لها بإغواي وإضلالي. انتهى،
(٢) سورة الزخرف: ٤٣/ ٣٦. [.....]