وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَا وَيْلَتَنَا، بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَعَنْهُ أَيْضًا: يَا وَيْلَتَى، بِالتَّاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ بَدَلٌ مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ يَا ويلتى. والجمهور:
ومَنْ بَعَثَنا: من استفهام، وَبَعَثَ فِعْلٌ مَاضٍ
وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو نَهِيكٍ: مِنْ حَرْفُ جَرٍّ، وَبَعْثِنَا مَجْرُورٌ بِهِ.
وَالْمَرْقَدُ: اسْتِعَارَةٌ عَنْ مَضْجَعِ الْمَيِّتِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، أَيْ مِنْ رُقَادِنَا، وَهُوَ أَجْوَدُ. أَوْ يَكُونَ مَكَانًا، فَيَكُونَ الْمُفْرَدُ فِيهِ يُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ، أَيْ مِنْ مَرَاقِدِنَا. وَمَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ: مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْبَشَرِ يَنَامُونَ نَوْمَةً قَبْلَ الْحَشْرِ، فَقَالُوا: هُوَ غَيْرُ صَحِيحِ الْإِسْنَادِ. وَقِيلَ: قَالُوا مِنْ مَرْقَدِنَا، لِأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ كَانَ كَالرُّقَادِ فِي جَنْبِ مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، فقيل: مِنَ اللَّهِ، عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى إِنْكَارِهِمْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَمُجَاهِدٌ: مِنْ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْكُفَّارِ، عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مِنْ قَوْلِ الْكَفَرَةِ، أَوِ الْبَعْثِ الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، قَالُوا ذَلِكَ. وَالِاسْتِفْهَامُ بِمَنْ سُؤَالٌ عَنِ الَّذِي بَعَثَهُمْ، وَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ، ذِكْرَ الْبَاعِثِ، أَيِ الرَّحْمَنِ الَّذِي وَعَدَكُمُوهُ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً عَلَى سِمَةِ الْمَوْعُودِ، وَالْمَصْدَرُ فِيهِ بِالْوَعْدِ وَالصِّدْقِ، وَبِمَعْنَى الَّذِي، أَيْ هَذَا الَّذِي وَعَدَهُ الرَّحْمَنُ. وَالَّذِي صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ، أَيْ صَدَقَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَدَقْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ، أَيْ صَدَقَهُ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: صدقني سن بكره، أي فِي سِنِّ بِكْرِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الْمَرْقَدِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ، وَيُضْمَرُ الْخَبَرُ حَقٌّ أَوْ نَحْوُهُ. وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا صِفَةً لِلْمَرْقَدِ، وَمَا وَعَدَ خبر مبتدأ محذوف، أي هَذَا وَعْدُ الرَّحْمَنِ، أَوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، أي مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ حَقٌّ عَلَيْكُمْ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَتْ قِرَاءَةُ إِلَّا صَيْحَةً بِالرَّفْعِ وَتَوْجِيهُهَا. فَالْيَوْمَ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ لَا يَظْلِمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ لِجَمِيعِ الْعَالَمِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. قِيلَ: وَالصَّيْحَةُ قَوْلُ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ النَّخِرَةُ وَالْأَوْصَالُ الْمُنْقَطِعَةُ وَالشُّعُورُ الْمُتَمَزِّقَةُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ «١».
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ، هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ، لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ، سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا

(١) سورة ق: ٥٠/ ٤٢.


الصفحة التالية
Icon