وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ يَكُونُ الْأَزْوَاجُ قَدْ شَارَكُوهُمْ فِي التَّفَكُّهِ وَالشُّغُلِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَى الْأَرَائِكِ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَنْطُوقِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ، شَارَكُوهُمْ فِي الظِّلَالِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَى الْأَرَائِكِ مِنْ حَيْثُ الْمَنْطُوقُ، وَهُنَّ قَدْ شَارَكْنَهُمْ فِي التَّفَكُّهِ وَالشُّغُلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فِي ظِلالٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ جَمْعُ ظِلٍّ، إِذِ الْجَنَّةُ لَا شَمْسَ فِيهَا، وَإِنَّمَا هَوَاؤُهَا سَجْسَجٌ، كَوَقْتِ الْأَسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. انْتَهَى. وَجَمْعُ فُعُلٍ عَلَى فِعَالٍ فِي الْكَثْرَةِ، نَحْوُ: ذِئْبٌ وَذِئَابٌ. وَأَمَّا أَنَّ وَقْتَ الْجَنَّةِ كَوَقْتِ الْأَسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَحْتَاجُ هَذَا إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ. وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟
وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى حَوْرَاءَ مِنْ حُورِ الْجَنَّةِ، لَوْ ظَهَرَتْ لَأَضَاءَتْ مِنْهَا الدُّنْيَا
، أَوْ نَحْوٌ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ ظُلَّةٍ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَبُرْمَةٍ وَبِرَامٍ. وَقَالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: جَمْعُ ظِلَّةٍ، بِكَسْرِ الظَّاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَهِيَ لُغَةٌ فِي ظُلَّةٍ. انْتَهَى. فَيَكُونَ مِثْلَ لُقْحَةٍ وَلِقَاحٍ، وَفِعَالٌ لَا يَنْقَاسُ فِي فُعْلَةٍ بَلْ يُحْفَظُ.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَالسُّلَمِيُّ، وَطَلْحَةُ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: فِي ظِلٍّ جَمْعُ ظِلَّةٍ، وَجَمْعُ فِعْلَةٍ عَلَى فِعْلٍ مَقِيسٌ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَلَابِسِ وَالْمَرَاتِبِ مِنَ الْحِجَالِ وَالسُّتُورِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُظِلُّ. وَقَرَأَ عَبْدُ الله: متكئين، نصب عَلَى الْحَالِ وَيَدَّعُونَ مُضَارِعُ ادَّعَى، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنْ دَعَا، وَمَعْنَاهُ: وَلَهُمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَرَبُ تَقُولُ ادْعُ عَلَيَّ مَا شِئْتَ، بِمَعْنَى تَمَنَّ عَلَيَّ وَتَقُولُ فُلَانٌ فِي خَبَرٍ مَا تَمَنَّى. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهُوَ مِنَ الدُّعَاءِ، أَيْ مَا يَدْعُونَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْتِيهِمْ. وَقِيلَ: يَدْعُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: يَتَدَاعُونَهُ لِقَوْلِهِ ارْتَمُوهُ وَتَرَامُوهُ.
وَقَرَأَ الجمهور: سلام بالرفع. وقيل: وَهُوَ صِفَةٌ لِمَا، أَيْ مُسَلَّمٌ لَهُمْ وَخَالِصٌ. انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ كَانَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، لِأَنَّهَا تَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَعْرِفَةً. وَسَلَامٌ نَكِرَةٌ، وَلَا تُنْعَتُ الْمَعْرِفَةُ بِالنَّكِرَةِ. فَإِنْ كَانَتْ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً جَازَ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ عُمُومٌ، كَحَالِهَا، بِمَعْنَى الَّذِي.
وَقِيلَ: سَلَامٌ مُبْتَدَأٌ وَيَكُونُ خَبَرُهُ ذَلِكَ الْفِعْلَ النَّاصِبَ لِقَوْلِهِ: قَوْلًا، أَيْ سَلَامٌ يُقَالُ، قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، أَوْ يَكُونُ عَلَيْكُمْ مَحْذُوفًا، أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ. وَقِيلَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ سَلَامٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَلامٌ قَوْلًا بَدَلٌ مِنْ مَا يَدَّعُونَ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَهُمْ سَلَامٌ يُقَالُ لَهُمْ قَوْلًا مِنْ جِهَةِ رَبٍّ رَحِيمٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِمْ، وَذَلِكَ مُتَمَنَّاهُمْ، وَلَهُمْ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُونَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ بِالتَّحِيَّةِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ سَلَامٌ بَدَلًا مِنْ مَا يَدَّعُونَ، كان مَا يَدَّعُونَ خُصُوصًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عُمُومٌ فِي


الصفحة التالية
Icon