وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ يعني أنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى من قبل هذا الكتاب.
وروي عن الفراء أنه قال: اشتقاق التوراة من وري الزند وهو ما يظهر من النور والضياء، فسمي التوراة بها، لأنه ظهر بها النور والضياء لبني إسرائيل، ومن تابعهم، وإنما سمي الإنجيل، لأنه أظهر الدين بعد ما درس، وقد سمي القرآن إنجيلاً أيضاً لما روي في قصة مناجاة موسى- عليه السلام- أنه قال: يا رب أرى في الألواح أقواماً أناجيلُهم في صدورهم، فاجعلهم أمتي قال الله تعالى: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وإنما أراد بالأناجيل القرآن.
قرأ حمزة والكسائي، وابن عامر التوراة بكسر الراء، والباقون بالفتح ثم قال تعالى:
هُدىً لِلنَّاسِ معناه: وأنزل التَّورَاة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام، بياناً لبني إسرائيل من الضلالة وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ على محمد ﷺ بعد التوراة والإنجيل.
وقال الكلبي الفرقان هو الحلال والحرام، يعني بيان الحلال والحرام. ويقال: المخرج من الشبهات إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أي جحدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، وما أوتي من آيات نبوته لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة.
قال الكلبي: نزلت هذه الآية في وفد نجران، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجادلوه بالباطل. ويقال: في شأن اليهود. ويقال: في شأن مشركي العرب. وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ أي منيع بالنقمة ينتقم ممن عصاه إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ لا يذهب ولا يغيب عليه شيء فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ معناه أنه لا يخفى عليه قول الكفار وعملهم، فيجازيهم يوم القيامة، وهم وفد نجران، وسائر المشركين.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٦]
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)
ثم أخبر عن صنعه، ليعتبروا بذلك فقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ أي يخلقكم كيف يشاء قصيراً أو طويلاً، حسناً أو ذميماً، ذكراً أو أنثى.
ويقال: شقيّاً أو سعيداً. وهذا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ سعد في بطن أمه ثم قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الوَلَدُ يَكُونُ في بَطْنِ أُمِّهِ، يكونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يُنْفَخُ فيهِ الرُّوحُ، ثُمَّ يُكْتَبُ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ».
وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه، ليسألوا ما عنده من الحديث. فقال لهم: إني مشغول بأربعة أشياء، فلا أتفرغ لرواية الحديث فقيل له: وما ذاك الشغل؟ فقال


الصفحة التالية
Icon