ويقال إن المشركين حين خرجوا من مكة، كانوا ألفاً وثلاثمائة رجل، فلما وجدوا العير سالمة رجع مع العير ثلاثمائة وخمسون، وتخلف تسعمائة وخمسون للحرب، وكان أبو سفيان بن حرب في تلك العير، فرجع إلى مكة، وحثّهم على المسير، ولم يكن حاضراً وقت الحرب، وإنما قال الكلبي في كتابه: نزلت في جمع أبي سفيان وأصحابه، لأن أبا سفيان هو الذي حثهم على الخروج، ولم يخرج معهم ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ أي يقوي بنصرته، وهم أهل بدر، فأرسل إليهم الملائكة، وهزم المشركين إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ يعني من ينصر الحق.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤ الى ١٧]
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧)
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ حُسِّن وحُبِّب إليهم، وقد يكون التزيين من الله تعالى. كما قال في آية أخرى زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ [النمل: ٤] كما قال في آية أخرى وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [النمل: ٢٤] فأما التزيين من الله تعالى، فهو على وجهين: يكون على جهة الامتحان للمؤمنين مع العصمة، وقد يكون للكفار على جهة العقوبة مع الخذلان، وأما التزيين من الشيطان، فهو على جهة الوسوسة. فقال: زين للناس حب الشهوات مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ بدأ بالنساء، لأن فتنة النساء أشد من فتنة جميع الأشياء.
كما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تَرَكْتُ لأُمَّتِي فِتْنَةً أَشَدَّ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ»، ولأن النساء فتنتهن ظاهرة من وقت آدم- عليه السلام- إلى يومنا هذا.
ويقال: في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة: إحداهما أنها تؤدي إلى قطيعة الرحم، لأن المرأة تأمر زوجها بقطيعة الرحم عن الأمهات والأخوات. والثانية يبتلي بجمع المال من الحلال والحرام، وأما البنون، فإن الفتنة فيهم واحدة، وهي ما ابتلي به من جمع المال لأجلهم. فذكر البنين وأراد به الذكور والإناث.


الصفحة التالية
Icon