بخلق عيسى في بطن أمه من غير أب. فَإِنْ تَوَلَّوْا يقول: أَبَوْا، ولم يسْلموا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ يجازيهم بذلك، وهذه كلمة تهديد قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ يعني كلمة عدل بيننا وبينكم.. ويقال في قراءة عبد الله بن مسعود: إلى كلمة عدل بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ، يعني لا إله إِلاَّ الله، وهي كلمة الإخلاص ويقال إلى كلمة تسوي بيننا وبينكم، فتصير دماؤكم كدمائنا، وأموالكم كأموالنا أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ يعني ألا نُوَحِّد إِلا الله وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً من خلقه وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ لأنهم اتخذوا عيسى رباً مِن دُونِ الله.
ويقال: لا يطيع بعضنا بعضاً في المعصية. كما قال: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [سورة التوبة: ٣١] أي أطاعوهم في المعصية. ويقال: لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا. كما قالت النصارى: إن الله ثالثُ ثلاثة فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني أبوا عن التوحيد فَقُولُوا لهم يا معشر المسلمين اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أي مخلصون لله بالعبادة والتوحيد يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وذلك أن اليهود والنصارى كانوا اجتمعوا في بيت مدرسة اليهود، وكل فريق يقول كان إبراهيم منا، وكان على ديننا فنزل يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ أي لِمَ تخاصمون في دين إبراهيم وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد إبراهيم- عليه السلام- ولكن اليهودية والنصرانية إنما سميت بهذا الاسم بعد نزول التوراة والإنجيل. وقال الكلبي: نزلت في شأن النفر الذين كانوا بالحبشة من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فهم جعفر الطيار وغيره. كما قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً أي أطاعوهم في المعصية، وكانت بينهم، وبين أحبار الحبشة مناظرة في ذلك الوقت، فنزلت هذه الآية.
وقال الزجاج: هذه الآية أبين الحجج على اليهود والنصارى، بأن التوراة والإنجيل أنزلا من بعده، وليس فيهما اسم لواحد من الأديان، واسم الإسلام في كل كتاب، وهو قوله: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، أَفَلا تَعْقِلُونَ يقول: أليس لكم ذهن الإنسانية أن تنظروا فيما تقولون ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ يقول أنتم يا هؤلاء خاصمتم فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ في صفة محمد صلّى الله عليه وسلم- فتجدونه في كتبكم- فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يقول: ما ليس في كتابكم، وهو أمر إبراهيم- عليه السلام- اللَّهُ يَعْلَمُ أن إبراهيم كان على دين الإسلام وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ذلك.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٦٧]
مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)
مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا يقول: لم يكن إبراهيم- عليه السلام- على دين


الصفحة التالية
Icon