[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في شأن عبدان بن الأشوع، وامرئ القيس بن عابس، ادّعى أحدهما على صاحبه حقاً، فأراد المدَّعى عليه أن يحلف بالكذب، فنزلت هذه الآية. وقال مقاتل: نزلت في شأن رؤساء اليهود، كتموا نعت محمد صلّى الله عليه وسلم، لأجل منافع الدنيا. ويقال: إن جماعة من علماء اليهود، قَدِموا المدينة من الشام ليُسلموا، فلقيهم كَعْب بن الأشرف فقال لهم: تعلمون أنه نبي؟ قالوا: نعم. فقال لهم كعب: حَرَّمْتُمْ على أنفسكم خيراً كثيراً، لأني كنت أردت أن أَبْعث لكم الهدايا. فقالوا: حتى ننظر في ذلك، فنظروا ثم رجعوا. فقالوا: ليس هو الذي وجدنا صفته، فأخذ منهم إقرارهم وخطوطهم وأَيْمَانهم على ذلك، ثم بعث إلى كل واحد منهم ثمانية أذرع من الكرباس، وخمسة أصوع من الشعير، فنزل في شأنهم إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أي عرضا يسيراً أُولئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي لا نصيب لهم في الآخرة وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وقال الزجاج: قوله وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، يحتمل معنيين أحدهما إسماع كلام الله تعالى أولياءه، خصوصاً لهم، كما كلم موسى خصوصية له دون البشر، ويجوز أن يكون تأويله للغضب عليهم، كما يقال: فلان لا يكلم فلاناً، ولا ينظر إليه، أي هو غضبان عليه، وإن كان هو يكلمه بكلام السوء، فذلك معنى قوله لا يكلمهم، أي بكلام الرحمة وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بالرحمة وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
ثم قال وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يعني طائفة من اليهود، وهذه اللام لزيادة تأكيد على تأكيد يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ أي يحرفون ألسنتهم بالكتاب، يعني بنعت محمد صلّى الله عليه وسلم ويغيرونه، ويقال: يغيرونه في التلاوة فيقرؤونه على خلاف ما في التوراة. ويقال: يحرفون تأويله على خلاف ما فيه لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ أي من التوراة وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ أي من التوراة، بل هم كتبوا وهم تأوَّلوا وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي ليس هو من عند الله وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنه كذب.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]
مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)
مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ أي التوراة والإنجيل وَالْحُكْمَ يعني الفهم