تسمع هذه الآية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ في مصحف مذهب، فلما انتهت إلى هذه الآية باعته، وتصدقت بثمنه.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٣]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣)
قوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ قال في رواية الكلبي: خرج يعقوب إلى بيت المقدس، فلقيه ملك في الطريق، فظن يعقوب أنه لص، فعالجه، فغمز الملك رجل يعقوب، فهاج به عرق النساء، فنذر أن يحرم أحب الطعام إليه إن برأ من ذلك لما رأى فيه من الجهد. فلما برأ كان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وألبانها، فحرمها على نفسه. فقالت اليهود:
هذا التحريم من الله تعالى في التوراة، فنزل قوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ أي كان حلالاً، إلا الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير ثم قال: إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ وليس تحريمها في التوراة ثم قال لمحمد صلّى الله عليه وسلم: قُلْ لليهود فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها يعني اقرءوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بأن تحريمها في التوراة، لأنهم كانوا يقولون: إن ذلك حرام من وقت نوح، وأنت وأصحابك تستحلونها. وقال الضحاك: إن يعقوب لما أصابه عرق النساء، أمره الأطباء أن يتجنب لحوم الإبل، فحرم على نفسه لحوم الإبل. فقالت اليهود: حرَّمْناها على أنفسنا، لأن يعقوب حرّمها على نفسه، فنزل تحريمها في التوراة، فنزلت الآية ويقال معناه كل طعام هو حلال لأمتك، مثل ما كان حلالاً لبني إسرائيل، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، وبعضها حُرّم عليهم بذنوبهم. وقال الزجاج: هذه الآية أعظم دليل لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلم، لأنه أخبرهم بأنه ليس في كتابهم، وأمرهم بأن يأتوا بالتوراة، فأبوا وعرفوا أنه قال ذلك بالوحي.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)
ثم قال تعالى: فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
يعني اختلق على الله الكذب مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
البيان في كتابهم فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
يعني يظلمون أنفسهم قُلْ صَدَقَ اللَّهُ أن تحريمه ليس في التوراة. ويقال: قُلْ صَدَقَ الله، حين قال: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا [آل عمران: ٦٧] فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أي مخلصا مستقيماً، وكلوا لحوم الإبل وألبانها، كما أكلها إبراهيم، ولا تحرموا على أنفسكم شيئاً بأهوائكم وَما كانَ إبراهيم مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني على دينهم.


الصفحة التالية
Icon