ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ في الربا فلا تستحلوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي لكي تنجوا من العذاب. ثم خَوّفهم فقال: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ يعني خُلقت وهيئت للكافرين.
وقالت المعتزلة: من أتى بالكبيرة ومات عليها فإنه يخلد في النار كالكافر، فإنه وعد لأكل الربا النار كما وعد الكفار. وقال أكثر أهل العلم والتفسير: هذا الوعيد لمن استحل الربا ومن استحل الربا فإنه يكفر ويصير إلى النار. ويقال: معناه اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبوا النار، لأن من الذنوب ما يستوجب به نزع الإيمان ويخاف عليه، فمن ذلك عقوق الوالدين. وقد جاء في ذلك أثر أن رجلاً كان عاقاً لوالدته يقال له علقمة، فقيل له عند الموت:
قُلْ لا إله إِلا الله فلم يقدر على ذلك، حتى جاءت أمه فرضيت منه. ومن ذلك قطيعة الرحم، وأكل الربا، والخيانة في الأمانة. وذكر أبو بكر الوراق عن أبي حنيفة أنه قال: أكبر ما في الذنوب الذي ينزع الإيمان من العبد عند الموت. ثم قال أبو بكر: فنظرنا في الذنوب التي تنزع الإيمان من العبد، فلم نجد شيئاً أسرع نزعاً للإيمان من ظلم العباد.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٢ الى ١٣٣]
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)
ثم قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ يعني أطيعوا الله في الفرائض، والرسول في السنن. ويقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ في تحريم الربا، وَالرَّسُولَ فيما بلغكم من التحريم لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ولا تُعَذَّبُونَ وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ قرأ نافع ومن تابعه من أهل المدينة، وابن عامر ومن تابعه من أهل الشام: سارعوا بغير الواو على معنى الابتداء. وقرأ الباقون بالواو على معنى العطف. قال الكلبي: معناه وسارعوا إلى التوبة من الربا. وقال مقاتل: وسارعوا بالأعمال الصالحة التي هي مغفرة لذنوبكم وإلى الجنة. وقال الضحاك: يعني سارعوا إلى النجاء الأكبر إلى الصف المقدم في الصلاة، وإلى الصف المقدم في القتال. ويقال: وسارعوا حتى لا تفوتكم تكبيرة الافتتاح.
ثم قال تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ قال القتبي: أي سعتها، ولم يرد به العَرْض الذي هو خلاف الطول. والعرب تقول: بلاد عريضة أي واسعة. ويقال: عَرْضُ الجنة كعرض سبع سموات، وكعرض سبع أرضين، لو ألزق بعضها إلى بعض. وإنما ذكر العرض ولم يذكر الطول، لأن طولها لا يعرف ولا يدرك. وقال الكلبي: الجنان أربع: جنة عدن وهي الدرجة العليا، وجنة المأوى، وجنة الفردوس، وجنة النعيم. كل جنة منها كعرض السموات والأرض لو وصل بعضها إلى بعض. ويقال: لم يرد بهذا التقدير، ولكنه أراد بذلك إنها أوسع شيء رأيتموه. وقال السدي: لو كسرت السموات وصرن خردلاً، فبكل خردلة لله جنة عرضها كعرض السموات والأرض.