قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً نزلت في شأن رجل تَمَّار، جاءت امرأة تشتري منه تمراً، فأدخلها في حانوته وقبلها ثم ندم على ذلك، فنزلت هذه الآية. ويقال: نزلت هذه الآية في رجل مَسّ امرأة أخيه في الله، وكان أخوه خرج غازياً، ثم ندم وتاب. ويقال: إنها نزلت في شأن بهلول النباش، تاب عن صنيعه فنزلت هذه الآية. فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً يعني الزّنى. أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني القُبْلَة واللمس. ويقال: الفاحشة كل فعل يستوجب به الحد في الدنيا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ما دون ذلك. ويقال: الفاحشة ما استوجب به النار، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ما استوجب به الحساب والحبس. وقال إبراهيم النخعي: الظلم هاهنا تفسير الفاحشة فكأنه يقول: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ أي خافوا الله، ويقال ذكروا مقامهم بين يدي الله. ويقال: ذكروا عذاب الله.
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ يعني الاستغفار باللسان والندامة بالقلب. ويقال: الاستغفار باللسان بغير ندامة القلب توبة الكذابين. وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى الاستغفار الكثير.
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ يعني لا يغفر الذنوب إلا الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا يعني: لم يقيموا على ما فعلوا من المعصية وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنها معصية فلا يرجعون. ويقال: في الآية تقديم وتأخير، فكأنه يقول: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله أُولئِكَ يعني أهل هذه الصفة جَزاؤُهُمْ يعني ثوابهم مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ يعني: نعم ثواب العاملين الجنة، وهو قول الكلبي. وقال مقاتل: نعم ثواب التائبين من الذنوب الجنة قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ أي قد مضت لكل أمة سنة ومنهاج، فإذا اتبعوها رضي الله عنهم. قال الكلبي:
قد مضت سنة بالهلاك فيمن كان قبلكم، فَانْظُروا: أي فاعتبروا كَيْفَ كان جزاء المكذبين.
وقال مقاتل نحو هذا، وقال: يخوف الله هذه الأمة بمثل عذاب الأمم السابقة. وقال السدي:
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي اقرءوا القرآن فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ لأن من لم يسافر فإنه لا يعرف ذلك، وأما من قرأ القرآن فإنه يعرف ذلك. وقال الحسن: اقرءوا القرآن وتدبروا فيه، فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٨ الى ١٤٠]
هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)


الصفحة التالية
Icon