ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ أي يحيي في السفر ويميت في الحضر، ويحيي في الحضر ويميت في السفر. ويقال: والله يحيي قلوب المؤمنين ويميت قلوب الكافرين، يحيي قلوب المؤمنين بالنصرة والخروج إلى الغزو، ويميت قلوب المنافقين بالتخلف وظن السوء. وقال الضحاك: يعني يحيي من أحيى من نطفة بقدرته، ويميت من أمات بعزته وسلطانه. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قرأ عبد الله بن كثير وحمزة والكسائي: يَعْمَلُونَ بالياء على معنى المغايبة. وقرأ الباقون: بالتاء. ومعناه قل لهم: والله بما تعملون بصير وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ يعني: إن متم في إقامتكم، أو قتلتم في سبيل الله وأنتُم مُؤْمنون لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ لذنوبكم وَرَحْمَةٌ يعني: ونعمة وجنة خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ في الدنيا من الأموال يا معشر المنافقين. قرأ أبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم: متم بضم الميم في جميع القرآن، والباقون بكسرها. وهما لغتان ومعناهما واحد.
ثم قال: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ في الغزو لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ بعد الموت. قرأ عاصم في رواية حفص: خير مما يَجْمَعون بالياء. وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ يقول: فبرحمة من الله وما صلة، فالله ذكر منه أن جعل رسوله رحيماً رؤوفاً بالمؤمنين، حيث قال: فبرحمة مِّنَ الله لِنْتَ لَهُمْ يا محمد أني لينت لهم جانبك، وكنت رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ أي خشناً في القول غليظ القول لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أي لتفرقوا من عندك، ولكن الله جعلك سهلاً سَمْحاً طلقاً ليناً لطيفاً باراً رحيماً، وهكذا قال الضحاك.
ثم قال: فَاعْفُ عَنْهُمْ أي: فتجاوز عنهم، ولا تعاقبهم بما يكون منهم من الزلة والذنب وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ من ذلك الذنب وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يقول: إذا أردت أن تعمل عملاً فاعمل بتدبيرهم ومشاورتهم، ويقال: ناظرهم في الأمر. ويقال: ناظرهم عند القتال.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: وشاوِرْهُمْ في بَعْضِ الأمر، لأنه كان يشاورهم فيما لم ينزل عليه الوحي فيه، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلم عاقلاً ذا رأي، ولكنه أمر بالمشورة ليَقْتَدي به غيره، ولأن في المشاورة تودُّداً لأصحابه، لأنه إذا شَاوَرهم تَوَدَّد قلوبهم. وفي المشورة أيضاً ترك الملامة، لأنه يقال: فعلت كذا بمشاورتكم. وروى سهل بن سعيد الساعدي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا شَقِيَ عَبْدٌ قَطّ بِمَشُورَةٍ وَمَا سَعِدَ عَبْدٌ بِاسْتِغْنَاءِ رَأْيٍ». ثم قال تعالى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي لا تتوكل على المشورة، ولكن توكل على الله بعد المشورة لا على الأصحاب إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ الذين يتوكلون على الله.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٦٠]
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠)