قد جاء الأثر عن رسول الله ﷺ أنه قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» وقال: «لا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِها». فوجب اتباعه لأن الله تعالى قال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧]. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص:
وَأُحِلَّ لَكُمْ بضم الألف وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالضم لأنه عطف على قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ. ومن قرأ بالنصب لأنه نسق على قوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
ثم قال تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ يعني أن تتزوجوا بأموالكم، ويقال: تشتروا بأموالكم الجواري مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ يقول: كونوا متعففين من الزنى غير زانين فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قال مقاتل: يعني به المتعة، أي فما استمتعتم منهن إلى أجل مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي أعطوهن ما شرطتم لهن من المال وإنما كانت إباحة المتعة في بعض المغازي، ثم نهي عن ذلك. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها هذه الأمة، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إنما رخص في المتعة في بعض المغازي، ثم نسختها آية الطلاق والميراث والعدة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قال النكاح فآتوهن أجورهن، يعني مهورهن.
وقال في رواية الكلبي: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ بعد النكاح فآتوهن أجورهن، أي مهورهن فَرِيضَةً لهن عليكم. وقال الضحاك: فما استمتعتم به منهن أي فما تزوجتم بهن فأعطوهن مهورهن وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ قال بعضهم: يعني المتعة قبل أن تنسخ، أجاز لهما أن يتراضيا على زيادة الأجل والمال. وقال بعضهم: يعني المهر، لا جناح على الزوجين أن يتراضيا بعد النكاح على زيادة المهر إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً فيما رخّص لكم من نكاح الأجانب حَكِيماً فيما حرم عليكم من ذوات المحارم.
ثم قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أي غنى، يقول: من لم يجد منكم سعة في المال أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ يعني الحرائر، فليتزوج الإماء فذلك قوله: فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من الإماء. ويقال: من لم يستطع منكم طولا، يعني من لم يكن له منكم مقدرة على الحرة، فليتزوج الأمة، يعني: إذا لم يكن له امرأة حرة. وقد قال بعض الناس: إذا كان للرجل من المال مقدار ما يمكنه أن يتزوج بالحرة، لا يجوز أن يتزوج الأمة. وفي قول علمائنا: يجوز إذا لم يكن عنده امرأة حرة، لأنه لو صرف إلى ذلك الوجه لا يضر، لأن كل مال يمكن أن يتزوج به الأمة يمكن أن يتزوج به الحرة، ولكن معناه كون الحرة عنده أفضل.
ثم قال: تعالى مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ يعني يتزوج الأمة المسلمة. وقال بعض الناس: لا يجوز أن يتزوج أمة يهودية أو نصرانية، لأن الله تعالى قال مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ. وفي قول علمائنا: يجوز نكاح الأمة اليهودية والنصرانية، وذكر المؤمنات ليس بشرط أنه لا يجوز غيرها،