ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ أي يتجاوز عنكم ما كان منكم من قبل التحريم، ويقال: يتجاوز عنكم الزلل والخطايا وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً يعني اليهود والنصارى، ويقال: المجوس. أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً يعني أن تخطئوا خطأً عظيماً، لأن بعض الكفار كانوا يجيزون نكاح الأخت من الأب، وَبَنَاتُ الاخ، وَبَنَاتُ الاخت، فلما حرم الله تعالى ذلك قالوا للمسلمين: إنكم تنكحون ابنة الخالة والعمة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ويقال: ويريدون الذين يتبعون الشهوات، ويقال: إن اليهود يريدون أن يقفوا منكم على الزلل والخطايا، يعني: أن الله تعالى قد بين لكم لكي لا يقفوا منكم على الزلل والخطايا. ثم قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ يقول: يهون عليكم الأمر إذ رخص لكم في نكاح الإماء، وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً أي لا يصبر على النكاح. وقال الضحاك:
يخفف عنكم أي يريد أن يضع عنكم أوزاركم، ويضع عنكم آثامكم.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يعني بالظلم باليمين الكاذبة ليقطع بها مال أخيه. ثم استثنى ما استفضل الرجل من مال أخيه في تجارته أنه لا بأس به فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ويقال: إلا ما كان بينهما تجارة، وهو أن يكون مضارباً له، فله أن يأكل من مال المضاربة إذا خرج إلى السفر. ويقال: إلا ما يأكل الرجل شيئاً عند اشترائه ليذوقه. قرأ حمزة والكسائي وعاصم: تِجارَةً بنصب الهاء على معنى خبر تكون. وقرأ الباقون بالضم على معنى الاسم. ثم قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا يقتل بعضكم بعضاً، فإنكم أهل دين واحد. ويقال وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يعني أن يوجب الرجل على نفسه قتل نفسه، فإيجابه باطل. وقال القتبي: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ يعني لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، ولا يقتل بعضكم بعضاً كقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [سورة الحجرات: ١١] أي لا تعيبوا إخوانكم. ويقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا تقتلوها بالكسل والبخل إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً إذ نهى عن القتل وعن أخذ الأموال.
قوله تعالى وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً يعني اعتداء ويقال: مستحلاً وَظُلْماً أي وجوراً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً هذا وعيد لهم من الله تعالى، يعني يدخله في الآخرة النار وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي عذابه هين عليه. قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ قال مقاتل: يعني ما نهي عنه من أول هذه السورة إلى هذه الآية وقال في رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه. إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ الكبائر كل شيء سمى الله تعالى فيه النار لمن عمل بها، أو شيء نزل فيه حدّ في الدنيا، فمن اجتنب من هذا وهو مؤمن كفر الله عنه ما سواه من الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، وشهر رمضان إلى شهر رمضان إن شاء الله تعالى. قال: حدثنا محمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، قال: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي الضحاك، عن


الصفحة التالية
Icon