بالدالين. وأما من قرأ يَرْتَدَّ لأنه أدغم الدال الأولى في الثانية، فأسكن الأولى، ثم حرّك الثانية إلى النصب لالتقاء الساكنين. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في شأن أهل الردة الذين ارتدوا على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أن العرب ارتدوا وقالوا:
نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما أن نعطي من أموالنا بعد رسول الله ﷺ فلا. وخرج مسيلمة الكذاب فغلب على اليمامة، وامتنعوا. فشاور أبو بكر رضي الله عنه أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم في قتالهم، فقال أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم: وكيف نقاتل قوماً، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله، فَإذا قَالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى»، فقال أبو بكر الصديق: الزكاة من حقها.
ثم قال: والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه.
فاتفقت الصحابة على قول أبي بكر، وجمعوا العسكر، وجاءهم من قبل اليمن سبعة آلاف رجل، واجتمع ثلاثة آلاف من أفناء الناس، فخرجوا وأميرهم «خالد بن الوليد»، وقاتلهم، وخرج مسيلمة الكذاب مع أهل اليمامة، واجتمع الأعراب معه، وكان بينهم قتال شديد، فقتل يومئذٍ من المسلمين مائة وأربعون رجلاً ومنهم «ثابت بن قيس بن شماس»، «وسالم مولى أبي حذيفة» وغيرهما فكاد المسلمون أن ينهزموا كلهم حتى نصرهم الله، وأظهرهم على أعدائه، وقُتل مسيلمة الكذاب، وأصحابه، وتاب أهل الردة، فذلك قوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ يعني: يحبون الله أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعني: رحيمة ليّنة على المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يقول: شديدة غليظة عَلَى الْكافِرِينَ يعني: أهل اليمن.
وروى أبو هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ هُمْ ألْيَنُ قُلُوباً، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإيمانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» «١». وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يعني: الجند من جنود الله، مرداً وعوناً للخليفة أبي بكر، يحبهم الله كحب الوالد لولده، أذلة على المؤمنين كالعبد لسيده، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ كالسبع على فريسته. ويقال:
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ هو أبو بكر وأصحابه، وقال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه. وقال الضحاك: هو أبو بكر وأصحابه، لما ارتدت العرب جاهدهم حتى ردهم إلى الإسلام. وهذا من شمائل أبي بكر، حيث اتفقت الصحابة على رأيه، وذكر أنه لما قبض النبيّ صلّى الله عليه وسلم، همَّ المنافقون أن يُظهروا كفرهم، وتحير أصحاب النبي ﷺ عند ذلك، حتى جاء عمر