وصعد المنبر فقال: من قال إن محمداً قد مات فأنا أفعل به كذا وكذا، بل هو حي حتى يخرج إليكم. وقد وعدنا الله تعالى أن يظهره على الدين كله. فجاء أبو بكر، فقال له: انزل يا عمر، فصعد أبو بكر، فقال: من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم، فقد مات محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان يعبد الله تعالى فهو حي لا يموت، ومن أراد أن يرجع عن دينه فليس بيننا وبينه إلا السيف. فخاف المنافقون، فكتموا نفاقهم وقرأ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: ٣٠] وقرأ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: ١٤٤] فقال عمر: كأني لم أكن سمعت هذه الآية. ثم اختلاف آخر كان في دفنه، فقال أبو بكر: يدفن حيث مات فاتفقوا على قوله. ثم اختلاف آخر كان في سقيفة بني ساعدة في الخلافة، فاتفقوا على قوله. ثم اختلاف أهل الردة، وكلهم اتفقوا على قوله. فذلك قوله تعالى: يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني: في طاعة الله وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ يعني: لا يخافون ملامة الناس بما يعملون من الطاعات ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يعني: ذلك توفيق الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يعني: يوفق من يشاء. ويقال: ذلك دين الله الإسلام يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يعني: واسع الفضل عليم بمن يصلح للهدى.
قوله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦)
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وذلك أن عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود أظهروا لنا العداوة، وحلفوا أن لا يخالطونا في شيء، ومنازلنا فيهم، بعيدة من المسجد، ولا نجد محدثاً دون هذا المسجد، فنزلت هذه الآية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يقول: حافظكم وناصركم الله ورسوله وَالَّذِينَ آمَنُوا فقال: يا رسول الله رضينا بالله ورسوله، وبالمؤمنين. وقال الضحاك: إن النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة، أتاه بنو أسد بن خزيمة، وهم سبعمائة رجالهم ونساؤهم. فلما قدموا المدينة. فقالوا: يا رسول الله اغتربنا وانقطعنا عن قبائلنا، وعشيرتنا فمن ينصرنا؟ فنزل إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا.
ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ قال ابن عباس: وذلك أن بلالاً لما أذّن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس في المسجد يصلون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله ﷺ وقال: «هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شيئا؟» قال: نعم.
قال: «مَاذَا» ؟ قال: خاتم فضة. قال: «وَمَنْ أَعْطَاكَ» ؟. قال: ذلك المصلي. قال: «فِي أيِّ حَالٍ أعْطَاكَ» ؟ قال: أعطاني وهو راكع. فنظر، فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقرأ رسول الله ﷺ على «عبد الله بن سلام» الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ