عن ذلك تكذيبهم إياه فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني: من القرآن وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ إن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ يعني: كأنك لم تبلغ شيئاً من رسالته، لأنه أمر بتبليغ جميع الرسالة. فإذا ترك البعض صار بمنزلة التارك للكل. كما أن من جحد آية من كتاب الله تعالى صار جاحداً للجميع، ويقال: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ يعني: فما بلغت المبلغ الذي تكون رسولاً وروى «سمرة بن جندب»، عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ فَإنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مَنْ تَبْلِيغِ رِسَالاتِ رَبِّي فَأَخْبِرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالاتِ رَبِّي كَمَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبَلَّغَ» فقام الناس، فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك. وروى مسروق عن عائشة قالت: من حَدّثك أن محمدا ﷺ كتم شيئاً من الوحي، فقد كذب. ثم قرأت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية.
ثم قال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ يعني: اليهود ويقال: كيد الكفار. وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه بالليل، حتى نزلت هذه الآية فخرج إليهم وقال: «لا تَحْرُسُونِي فَإنَّ الله قَدْ عَصَمَنِي من الناس».
ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ يعني: لا يرشدهم إلى دينه، ويقال: لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لا أُبَالِي مَنْ خَذَلَنِي مِنَ اليَهُودِ وَمَنْ نَصَرَنِي» قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر. فما بلغت رسالاته بلفظ الجماعة. وقرأ الباقون: رِسالَتَهُ بلفظ الواحد يغني عن الجماعة. ثم علّمه كيف يبلغ الرسالة فقال: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ من الدين ولا ثواب لأعمالكم حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعني: تعملوا بما في التوراة، والإنجيل وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعني: حتى تقروا بما أنزل على نبيكم ﷺ من القرآن، وتعملوا به.
ثم قال: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً يعني: تمادياً بالمعصية، وكفراً بالقرآن. يعني: إنما عليك تبليغ الرسالة والموعظة، فإن لم ينفعهم ذلك فليس عليك شيء. فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ يعني: لا تحزن عليهم إن كذبوك.
وروى محمد بن إسحاق بإسناده عن ابن عباس أنه قال: جاء رافع بن حارثة، وسلام بن مشكم، ومالك بن الضيف، وقالوا: يا محمد: ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟
وتؤمن بما عندنا من التوراة؟ وتشهد أنها من الله حق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلَى ولكنكم أَحْدَثْتُمْ، وَجَحَدْتُمْ ما فِيهَا مِمَّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنَ المِيثَاقِ، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ فَبَرِئْتُ مِنْ إحْدَاثِكُمْ». فقالوا: فإنّا قد آمنا بما في أيدينا، وإنا على الهدى والحق، ولا نؤمن بك، فنزل يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ.