قوله تعالى: مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ يعني: أن الرسول ليس عليه طلب سرائرهم، وإنما عليه بتبليغ الرسالة، والله تعالى هو الذي يعلم سرائرهم.
قوله تعالى: قُلْ لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ يعني: لا يستوي الحلال والحرام. قال في رواية الكلبي: نزلت في شأن حَجَّاج اليمامة شريح بن ضبيعة حين أراد المسلمون أخذ ماله، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأخبرهم أن أخذ ماله حرام.
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يعني: كثره مال شريح بن ضبيعة فَاتَّقُوا اللَّهَ لا تستحلوا ما حرم الله عليكم يا أُولِي الْأَلْبابِ يا ذوي العقول لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يعني: تأمنون من عذابه. وروى أسباط عن السدي أنه قال: الْخَبِيثُ هم المشركون وَالطَّيِّبُ هم المؤمنون. وقال الضحاك: لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ يعني: صدقة من حرام لا تصعد إلى الله تعالى، لا توضع في خزائنه. وصدقة من حلال تقع في يد الرحمن يعني: يقبلها.
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ يعني: مثقال حبة من صدقة الحلال أرجح عند الله من جبال الدنيا من الحرام.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس وغيرهما أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم لما قرأ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران: ٩٧] وقال: «يا أيها الناس كتب عليكم الحج» فقام رجل فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه. ثم عاد فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ، وَلَوْ وَجَبَ مَا اسْتَطَعْتُمُوهُ، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ» ثم قال: «إنَّمَا هِيَ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ- أو قال: مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ».
ونزل:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وعن أبي عوانة أنه قال:
سألت عكرمة عن قوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذلك يوم قام فيه رسول الله ﷺ فسألوه، فأكثروا عليه فغضب. وقال: «لا تَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ».
فقام رجل فكره المسلمون يومئذٍ مقامه. فقال: يا رسول الله من أبي؟ فقال: «حُذَافَةُ» يعني:
رجلاً غير أبيه فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله رضينا بالله رباً، وبك نبياً، فنزلت هذه الآية لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.