[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٤ الى ١١٧]
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً يعني: أعْبُدُ غير الله؟ ويقال: أأطلب القضاء من غير الله؟
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا يعني: مبيناً فيه أمره ونهيه بلغة يعرفونها. ويقال:
مفرقاً سورة سورة وآية آية. وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني: مؤمني أهل الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ يعني: القرآن منزل من الله بالعدل. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص مُنَزَّلٌ بتشديد الزاي، وقرأ الباقون بالتخفيف.
ثم قال: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ يعني: الشاكين في أنه الحق وأنه من الله تعالى.
خاطبه بذلك وأراد به غيره من المؤمنين لكي لا يشكوا فيه.
قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يقول وجب قول ربك بأنه ناصر محمد ﷺ وأن عاقبة الأمر به صِدْقاً وَعَدْلًا يعني: صِدْقاً فيما وعد الله له من النصرة وَعَدْلًا فيما حكم به لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يقول: لا مغيّر لوعده كقوله لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غافر: ٥١] ويقال: لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعني: لا ينقض بعضها بعضاً ولا يشبه كلام البشر. وروى أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ أنه قال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا قال: «هُوَ قَوْلُ لاَ إله إِلاَّ الله» وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ السَّمِيعُ بما سألوا الْعَلِيمُ بهم.
ثم قال: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يعني: أهل أرض مكة فيما يدعونه إلى ملة آبائه. ويقال: وإن تطع أكثر من في الأرض يعني: الكفار لأن أكثر من في الأرض كانوا الكفار. يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني: يصرفوك عن دين الإسلام إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني: أن أكثرهم يتبعون أكابرهم بالظن، ويتبعونهم فيما لا يعلمون أنهم على الحق فإن قيل:
كيف يعذبون وهم ظانون على غير يقين؟ قيل لهم: لأنهم اقتصروا على الظن والجهل، لأنهم اتبعوا أهواءهم ولم يتفكروا في طلب الحق. ويقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني في أكل الميتة واستحلالها وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يعني: ما هم إلا كاذبون باستحلالهم الميتة، لأنهم كانوا يقولون: ما قتل الله فهو أولى بالحل وبأكله مما نذبحه بأيدينا. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ يعني: عن دينه وعن شرائع الإسلام. وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ لدينه قرأ أهل