افْتِراءً عَلَيْهِ يعني: اختلاقاً وكذباً على الله بأنه أمرهم بذلك سَيَجْزِيهِمْ يعني: سيعاقبهم بِما كانُوا يَفْتَرُونَ يعني: يكذبون على الله بأنه أمرهم وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا
قال الكلبي يعني: البحيرة والوصيلة حلال لذكورنا ما دامت في الأحياء، وليس للنساء فيه شركة ولا نصيب. فذلك قوله: وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً يعني: من هذه الأنعام فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ يعني: الرجال والنساء في أكلها. وقال الضحاك: كانت الناقة إذا ولدت فصيلاً ذكراً حرموا لحم الفصيل ولبن الناقة على النساء دون الرجال، وإن وضعت فصيلاً ميتاً اشتركت الرجال والنساء في لحم الفصيل ولبن الناقة. ذكر في أول الكلام خالِصَةٌ لفظ التأنيث، لأنه انصرف إلى المعنى، ومعناه: حمله ما في بطون هذه الأنعام.
ثم قال وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ذكر بلفظ التذكير، لأنه انصرف إلى قوله: مَا فِي بُطُونِ قرأ عاصم في رواية أبي بكر وأن تَكُنْ بالتاء على معنى التأنيث مَيْتَةً بالنصب يعني: وإن تكن الجماعة ميتة صارت الميتة خبر كان. وقرأ ابن عامر وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً بالضم يعني: وإن كانت ميتة جعلها اسم كان رفعاً وقرأ ابن كثير وَإِنْ يَكُنْ بالياء مَيْتَةً بالضم يعني وإن: كان ما فيه ميتة بلفظ التذكير وجعل الميتة اسم كان. وقرأ الباقون وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً جعلوا الميتة خبر كان بلفظ التذكير.
ثم قال: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ صار نصباً لنزع الخافض يعني: سيعاقبهم بكذبهم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ حَكِيمٌ عليهم بالعذاب عَلِيمٌ بهم. وفي الآية دليل أن العالم ينبغي أن يتعلم قول من خالفه وإن لم يأخذ به حتى يعلم فساد قوله، ويعلم كيف يرد عليه لأن الله تعالى أعلم النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه قول من خالفهم في زمانهم، ليعرفوا فساد قولهم.
قوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ يعنوا: دفنوا بناتهم أحياء وقتلوهن سَفَهاً صار نصباً لنزع الخافض يعني: جهلاً منهم بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني: بغير حجة منهم في قتلهن وهم ربيعة ومضر كانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية. وروي عن رسول الله ﷺ أن رجلاً من أصحابه كان لا يزال مغتماً بين يديه فقال له رسول الله ﷺ «مَا لَكَ تَكن مَحْزُوناً» ؟ فقال: يا رسول الله إني قد أذنبت في الجاهلية ذنباً، فأخاف أن لا يغفر لي وإني أسلمت فقال له:
«أَخْبِرْنِي عَنْ ذَنْبِكَ» فقال: يا رسول الله: إني كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت، فتشفعت إليَّ امرأتي بأن أتركها فتركتها حتى كبرت، وأدركت فصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلت عليَّ الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج.
فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب بها إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي فسرت بذلك وزيّنتها بالثياب والحلي، وأخذت عليَّ المواثيق بأن لا أخونها فذهبت بها إلى رأس بئر، فنظرت إلى البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمت بي وجعلت تبكي