إنّ المعصية شؤم تضر بصاحبها فتجعله عرياناً كما فعلت بآدم إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يعني: كونوا بالحذار منه، فإنه يراكم هو أي إبليس وجنوده من الشياطين من حيث لا ترونهم. يعني: كونوا على حذر لأنه يجري من بني آدم مجرى الدم وذكر أن إبليس لما لعن قال رب: إنّك باعث إلى بني آدم رسلاً وكتباً، فما رسلي؟ قال: الكهنة. قال: فما كتابي؟
قال: الوشم. قال: فما قراءتي قال: الشعر قال: فما مسجدي؟ قال: السوق. قال: فما مؤذني؟ قال: المزامير. قال: فما بيتي؟ قال: الحمام. قال: فما مصائدي؟ قال النساء. قال:
فما طعامي؟ قال: كل ما لم يذكر اسم الله عليه. قال: فما شرابي؟ قال: كل سكر.
قوله عز وجل: إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ يعني: قرناء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي لا يصدقون بالآخرة وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً يعني: المشركين حرموا على أنفسهم أشياء قد أحل الله لهم، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، قالوا: لا نطوف في ثياب قد أذنبنا فيها وكان رجالهم يطوفون بالنهار ونساؤهم بالليل وإذا طافت المرأة بالنهار اتخذت إزاراً من سير وكانت تبدو عورتها إذا مشت وكانت تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
وإذا قيل لهم لم فعلتم هكذا قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها يعني: بتحريم هذه الأشياء وبالطواف عراة قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أي المعاصي أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ أي أتكذبون على الله وتقولون بغير علم؟
ثم بيّن لهم ما أمرهم الله تعالى به. فقال عز وجل: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ أي بالعدل والصواب. وكلمة التوحيد وهي شهادة ألاّ إله إلاّ الله وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ أي: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وقل: أقيموا وجوهكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أي حوّلوا وجوهكم إلى الكعبة عند كل صلاة. وقال الكلبي: يعني إذا حضرت الصلاة وأنتم في مسجد فصلوا فيه، فلا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي. وإذا لم يكن في مسجد فليأت أي مسجد شاء. قال مقاتل: يعني: حوّلوا وجوهكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يقول: وحدوه واعبْدُوه بالإخلاص. ويقال: أن أهل الجاهلية كانوا يشركون في تلبيتهم، ويقولون: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، فأمرهم الله أن يوحّدوه في التلبية مخلصين له الدين.
ثم قال: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ أي ليس كما تشركون. فاحتج عليهم بالبعث متصلاً بقوله: فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ أي ليس بعثكم بأشد من ابتدائكم. وقال الحسن: كما خلقكم ولم تكونوا شيئا فأحياكم كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة. ويقال: كَما بَدَأَكُمْ يوم الميثاق من التصديق والتكذيب تَعُودُونَ إلى


الصفحة التالية
Icon