وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ يعني: المكان العذب الزّكي اللين من الأرض اللينة يخرج نباته إذا أمطرت فينتفع به، كذلك المؤمن يسمع الموعظة فتدخل في قلبه فينتفع بها وينفعه القرآن كما ينفع المطر الأرض الطيبة.
وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً يعني: الأرض السبخة لا يخرج نباتها إلا من كد وعناء، فكذلك الكافر لا يسمع الموعظة ولا ينتفع بها، ولا يتكلم بالإيمان، ولا يعمل بالطاعة إلا كرهاً لغير وجه الله.
ثم قال: كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ أي هكذا نبيّن الآيات والعلامات والأمثال لمن آمن وشكر رب هذه النعم ووحّده.
قوله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ يعني: بعثنا نوحاً إلى قومه بالرسالة فأتاهم، ويقال: معناه جعلنا نوحاً رسولاً إلى قومه. فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحدوا الله، مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أي ليس لكم رب سواه.
قرأ الكسائي إله غَيْرِه بكسر الراء.
وقرأ الباقون غَيْرُهُ بالضم. فمن قرأ بكسر الراء فلأجل مِنْ وجعله كله كلمة واحدة والغير تابعاً له. ومن قرأ بالضم فمعناه ما لكم إله غيره ودخلت من مؤكدة.
ثم قال: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهو الغرق ف قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ وهم الرؤساء والأجلة والأشراف، سموا بذلك لأنهم ملِئوا بما يحتاج إليه منهم، ويقال: لأنهم ملؤوا الناظر هيبة إذا اجتمعوا في موضع. قالوا: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني: في خطإ بَيِّنٍ. قالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وفي الآية بيان أدب الخلق في حسن الجواب والمخاطبة. لأنه ردّ جهلهم بأحسن الجواب، وهذا كما قال الله تعالى:
وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣] يعني: السداد من القول.
ثم قال: أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ أي أمنعكم من الفساد وأدعوكم إلى التوحيد وأحذركم من العذاب. وقال أهل اللغة: أنصح لكم وأنصحكم لغتان بمعنى واحد، كما يقال: شكرت لك وشكرتك ثم قال: وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ يعني: أعلم أنكم إن لم تتوبوا يأتيكم العذاب وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ذلك، وذلك أن سائر الأنبياء عليهم السلام خوّفوا أمتهم بعذاب الأمم السابقة، كما قال شعيب لقومه: أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَآ أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: ٨٩] وأما قوم نوح فلم يكن بلغهم هلاك أمة قبلهم. فقال لهم نوح: وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ من العذاب الذي ينزل بكم. فقالت الكبراء للضعفاء لا تتبعوه فإن هذا بشر مثلكم فأجابهم نوح فقال: