قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ يعني: سلوا الله التوفيق وَاصْبِرُوا يعني: اصبروا على أذاهم حتى يأتيكم الفرج إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعني: أرض مصر ينزلها من يشاء من عباده ويقال الجنة قرأ عاصم في رواية حفص بالتشديد. وقرأ الباقون بالتخفيف. وهما لغتان ورّث وأوْرَث بمعنى واحد.
ثم قال: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أي الذين يعملون في طاعة الله تعالى على نور من الله مخافة عقاب الله ورجاء ثواب الله تعالى، أي آخر الأمر لهم. وروي في الخبر أن مسيلمة الكذاب كتب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم كتاباً من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ﷺ أما بعد. فإن الأرض بيني وبينكم نصفان إلا أن العرب قوم يظلمون الناس فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ مُحَمَّد رَسُولِ الله إلى مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ. أمَّا بَعْدُ فَإنَّ الأرْضَ لله يورثها من يشاء من عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».
قوله تعالى: قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا يعني: إن قوم موسى قالوا لموسى: إنهم قد عذبوا قبل أن تأتينا بالرسالة وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا لأن قوم فرعون كانوا يكلفون بني إسرائيل من العمل ما لا يطيقون، وكان آل فرعون لا يعرفون شيئاً من الأعمال، وكان بنو إسرائيل حذاقاً في الأشياء والأعمال، فكانوا يأمرونهم بالعمل ولا يعطونهم الأجر. ف قالَ لهم موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ يعني: فرعون وقومه وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي:
يجعلكم سكاناً في أرض مصر من بعد هلاكهم يعني: من بعد هلاك فرعون وقومه فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني: يبتليكم بالنعمة كما ابتلاكم بالشدة، فيظهر عملكم في حال اليسر والشدة، لأنه قد وعد لهم بقوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص: ٥].
ويقال: فينظر كيف تعملون من بعده يعني: من بعد انطلاق موسى إلى الجبل فعبدوا العجل.
قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أي: بالجوع والقحط وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي يتعظون ويؤمنون فلم يتعظوا. قال الله تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعني: الخير والخصب والرخاء قالُوا لَنا هذِهِ يعني: نحن أهل لهذه الحسنة وأحق بها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني: القحط والبلاء والشدة يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ وأصله يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء. كقوله: يَذَّكَّرُونَ أي يتشاءمون بموسى ومن معه على دينه.
قال الله تعالى: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يعني: إن الذي أصابهم من عند الله وبفعلهم.
ويقال: إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أنه من الله تعالى ولا يعلمون ما عليهم في الآخرة.