يتفكروا ليعلموا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ يعني: جنوناً. ويقال: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلم صعد ذات ليلة الصفا، فدعا قريشاً إلى عبادة الله تعالى بأسمائهم فرداً فرداً، فقال بعضهم: إن صاحبكم لمجنون. فوعظهم الله تعالى فقال أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا يقول: أو لم يجالسوه ويكلموه هل به من جنون إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي رسولاً بيناً. وهذا كقوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبإ: ٤٦].
ووعظهم ليعتبروا في صنعه فيوحدوه فقال: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي في خلق السموات والأرض وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ في السماء من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله في الأرض من الجبال والبحار وغير ذلك فيعتبروا، ويؤمنوا بأن الذي خلق الذي ترون، هو رَبّ واحد لا شريك له وَأَنْ عَسى يعني: وينظروا في أن عسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ يعني: قد دنا هلاكهم فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يعني: إن لم يؤمنوا بالقرآن فبأي حديث يؤمنوا بعد القرآن. لأن هذا آخر الكتب نزولاً وليس بعده كتاب ينزل.
ثم قال تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ أي: من يخذله الله عن دين الإسلام فلا هادي له إلى الهدى وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي: يتركهم في ضلالتهم يترددون. قرأ أبو عمرو وَيَذَرُهُمْ بالياء وضم الراء على معنى الخبر. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وَنَذَرُهُمْ بالنون وضم الراء، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وَيَذَرُهُمْ بالياء وجزم الراء وجعلوه جواب الشرط. ومعناه: من يضلل الله يذره.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٧ الى ١٨٨]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أي: قيام الساعة أَيَّانَ مُرْساها أي متى حينها وقيامها. ويقال: هذا الكلام على الاختصار. ومعناه: أي أوان قيامها.


الصفحة التالية
Icon