إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ يعني: حافظي وناصري الله الذي نزل الكتاب. يعني:
القرآن. ويقال: إن الذي يمنعني منكم الله الذي أنزل جبريل بالكتاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ يعني: المؤمنين فيحفظهم ولا يكلهم إلى غيره.
ثم قال: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني: تعبدون من دون الله لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ أي: لا يقدرون منعكم وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أي يمنعون ممن أذاها، لأن الكفار كانوا يلطخون العسل في فم الأصنام، وكان الذباب يجتمع عليه فلا تقدر دفع الذباب عن نفسها.
ثم قال تعالى: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لاَ يَسْمَعُوا قال الكلبي: يعني إن دعا المشركون آلهتهم لا يسمعون أي يجيبونهم وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ يعني:
الأصنام تراهم مفتحة أعينهم وهم لا يبصرون شيئاً. قال مقاتل: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى يعني: كفار مكة لاَ يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ الهدى. قوله تعالى:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ قال ابن عباس- رضي الله عنهما- يعني: خذ ما أعطوك من الصدقة يعني: ما فضل من الأكل والعيال، ثم نسخ بآية الزكاة وهذا كقوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: ٢١٩] يعني: الفضل وأمر بالمعروف يعني: ادعهم إلى التوحيد وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي من جهل عليك مثل أبي جهل وأصحابه، وكان ذلك قبل أن يؤمر بالقتال. ويقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني: اعف عمن ظلمك واعط من حرمك وصل من قطعك.
قال الفقيه أبو الليث: حدثنا عن الشعبي الخليل بن أحمد. قال: حدثنا الديبلي. قال:
حدّثنا أبو عبيد الله وحدثنا سفيان عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: لما نزلت هذه الآية خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ سأل عنها جبريل. فقال جبريل: حتى أسأل العالم، فذهب ثم أتاه، فقال: يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تَصِل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عن من ظلمك. وقال القتبي في قول النبيّ: صلّى الله عليه وسلم «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ» فإن شئت أن تعرف ذلك فتدبر في هذه الآية كيف جمع له في هذا كل خلق عظيم، لأن في أخذ العفو صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله، وصلة الأرحام، وغض البصر، وفي الإعراض عن الجاهلين الحلم، وتنزيه النفس عن