النَّارِ
يوم القيامة مع القتل في الدنيا، يعني: إن القتل والضرب لم يصر كفارة لهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٥ الى ١٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: إذا لقيتم الذين كفروا بتوحيد الله تعالى يوم بدر زَحْفاً، يعني: مزاحفة، ويقال: زحف القوم، إذا دنوا للقتال، ومعناه: إذا واقعتموهم للقتال، فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ يعني: منهزمين. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ، يعني: تولّى ظهره منهزماً يَوْمَئِذٍ يعني: يوم حربهم. وقال الكلبي: يعني يوم بدر خاصة إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ، يعني مستطرداً للكرة يريد الكرة للقتال أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، يعني ينحاز من فئة إلى فئة من أصحابه يمنعونه من العدو. قال أهل اللغة: تحوَّزت وتحيَّزت، أي انضممت إليه، ومعناه: إذا كان منفرداً فينحاز ليكون مع المقاتلة، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وفي الآية تقديم، يعني: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي: استوجب الغضب من الله. وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إلا متحرفا لقتال أو متحيزاً إلى فئة.
وروي عن الحسن أنه قال: «كان كلّ هذا يوم بدر وغيره. - وعن الضحاك قال: هذا يوم بدر خاصة «١» - خاصة، لأنه لم يكن لهم فئة ينحازون إليها». وعن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة قال: «نزلت يوم بدر، لأنهم لم ينحازوا إلا إلى المشركين، لم يكن في الأرض مسلمون غيرهم». وقد قال بعضهم: بأن الآية غير منسوخة، لأنه لا يجوز للواحد أن يهرب من الاثنين، ويجوز أن يهرب من الجماعة. وإذا لم يكن معه سلاح جاز له أن يهرب ممن معه السلاح، وإذا لم يكن رامياً جاز له أن يهرب من الرامي. فإذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفار ومعهم سلاح، لا يجوز لهم أن يهربوا من الكفار، وإذا كان المسلمون اثني عشر ألفاً ومعهم سلاح، لا يجوز لهم أن يهربوا من الكفار وإن كانوا مائة ألف، لأنه روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أرْبَعُمِائِةٍ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفاً مِنْ قِلَّةٍ إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً» «٢»، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا كَلِمَتَهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَاتِلُوهُمْ، حَتَّى يَنْصُرَهُمُ الله تَعَالَى». والآية نزلت في الذي لا يجوز له الهرب. وروى سليمان بن هلال، عن ثور بن زيد، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «اجتنبوا الموبقات».
(٢) حديث ابن عباس: أخرجه الترمذي (١٥٥٥) وأبو داود (٢٦١١) والبيهقي: ٩/ ١٥٦ وأحمد ١/ ٢٩٣ وصححه الحاكم: ١/ ٤٤٣ وابن خزيمة (٢٥٣٨).