فَلَوْلا يعني: فلو ما، كقوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [النساء: ٨٣] فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ [الصافات: ١٤٣].
ويقال: فَلَوْلا هاهنا بمعنى: فهلا كانت قرية آمنت، فنفعها إيمانها. ومعناه: فهلاّ آمنت في وقت ينفعها إيمانها. فأعلم الله تعالى أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب، ثمّ قال:
إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ معناه: لكن قوم يونس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ يعني: أنهم آمنوا قبل المعاينة، فكشفنا عنهم. وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها كما نفع قوم يونس. وعن قتادة: إنَّ قوم يونس عليه السلام خرجوا ونزلوا على تل، فدعوا الله تعالى أربعين ليلة، حتى تاب الله عليهم. وروي عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم: أنَّ يونس بعثه الله تعالى إلى قومه، فدعاهم إلى عبادة الله تعالى، وترك ما هم فيه من الكفر فأبوا، فدعا ربه فقال: يا رب قد دعوتهم فأبوا. فأوحى الله تعالى إليه: أن ادعهم، فإن أجابوك وإلا فأعلمهم أن العذاب يأتيهم إلى ثلاثة أيام. فدعاهم فلم يجيبوه، فأخبرهم بالعذاب، فقالوا: ما جربنا عليه كذبة مذ كان معنا، فإن لم يلبث معكم وخرج من عندكم، فاحتالوا لأنفسكم. فلمّا كان بعض الليل خرج يونس من بينهم، فلما كان اليوم الثالث رأوا حمرة وسواداً في السماء كهيئة النار والدخان، فظنُّوا أن العذاب نازل بهم، فجعلوا يطلبون يونس فلم يجدوه، فلما كان آخر النهار أيسوا من يونس، وجعل يهبط السواد والحمرة، فقال قائل منهم: إن لم تجدوا يونس عليه السلام فإنكم تجدون رب يونس، فادعوه، وتضرعوا إليه.
فخرجوا من القرية إلى الصحراء، وأخرجوا النساء والصبيان والبهائم، وفرقوا بين كل إنسان وولده، وبين كل بهيمة وولدها، ثمّ عجوا إلى الله تعالى مؤمنين به مصدقين. وارتفعت أصوات الرجال والنساء والصبيان، وخوار البهائم وأولادها، واختلطت الأصوات، وقربت منهم الحمرة والدخان، حتى غشي السواد سطوحهم، وبلغهم حرُّ النار. فلما عرف الله تعالى منهم صدق التوبة، رفع عنهم العذاب بعد ما كان غشيهم، فذلك قوله تعالى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ يعني: لم يكن أهل قرية آمنت فَنَفَعَها إِيمانُها عند نزول العذاب إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا يعني: صدّقوا بالألسن والقلوب، عرف الله تعالى منهم الصدق، كَشَفْنا عَنْهُمْ يعني: رفعنا وصرفنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني: عذاب الهون، وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يعني: إلى منتهى آجالهم. وفي هذه الآية تخويف وتهديد لكفار مكة، ولجميع الكفار إلى يوم القيامة، أنهم إن لم يؤمنوا ينزل بهم العذاب، فلا ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (١٠٠)


الصفحة التالية
Icon